هذه واقعة لا يمكن أن تحدث إلا في مصر التي ابتلاها الله بمسئولين ليسوا علي قدر المسئولية يتعاملون مع مواقعهم كأنها إرث شخصي من حقهم أن يتصرفوا فيه كيفما شاءوا دون أي اعتبارات. وإذا كانت محافظة أسوان تتعافي الآن من فتنتها فيبدو أنها علي أبواب فتنة جديدة تؤدي إلي مزيد من الصدامات والحرائق. معلوم أن محافظ أسوان يكاد يكون المحافظ الوحيد في مصر الذي يرفض بشكل قاطع دعم العمل الثقافي في محافظته.. ربما يكون الرجل غير مؤمن أو مقدر لقيمة وأهمية وضرورة العمل الثقافي.. ربما يكون كارهاً للثقافة والمثقفين.. هذا شأنه فهناك وزارة الثقافة ممثلة في هيئة قصور الثقافة تقوم بدورها علي قدر إمكاناتها وتفتح مواقعها في هذه المحافظة للرواد من المثقفين والمواطنين العاديين وتقيم العديد من الأنشطة دون أي دعم من المحافظ.. لكن أن يصل الأمر إلي إعلان المحافظ الحرب علي الثقافة والمثقفين فهذا لا يمكن السكوت عليه. الحكاية التي أغرب من الخيال ولا تحدث إلا من مسئول كاره للثقافة والمثقفين أن هناك حديقة ملحقة بقصر ثقافة أسوان مساحتها حوالي 500 متر تضم مسرحاً مكشوفاً وملاعب للأطفال وأماكن لعقد دروس فنية وإجراء بروفات لفرق المسرح والموسيقي والفنون الشعبية ومخازن للديكور والأزياء وغيرها أي أنها جزء أساسي من القصر أسهم الفنانون والمثقفون في تأسيسه ليكون متنفساً لمئات الرواد وعشرات الأنشطة. فجأة أعجبت هذه الحديقة مجموعة من المواطنين يقولون إنهم واصلون وأن طلباتهم أوامر لا يستطيع اللواء مصطفي يسري محافظ أسوان إلا الاستجابة لها فوراً خوفاً من شغبهم وتهديداتهم. هذه المجموعة كتبت الخطاب التالي إلي المحافظ: يتشرف مجموعة الشباب المساهمين لإنشاء كافتيريا وذلك للركود الاقتصادي والسياحي الذي تمر به البلاد وفي ظل عدم تواجد فرص عمل بالهيئات الحكومية وحسب ما جاء من قرار السيد المحافظ بتخصيص القطعة ما بين قصر ثقافة أسوان ومسجد النصر نرجو من سيادتكم التكرم بمخاطبة السيدة رئيسة قصر ثقافة أسوان بإخلاء المكان المذكور.. ولسيادتكم من النوبة وأهلها التحية والاحترام. انتهي خطاب شباب النوبة إلي السيد المحافظ الذي لم يكذب خبراً ووقع إلي السيد رئيس مدينة أسوان لإخلاء المكان المذكور والإفادة. من جانبه قام رئيس المدينة برفع الأمر إلي رئيس حي غرب طالباً إخلاء الموقع من أي إشغالات والإفادة. وأمس الثلاثاء فوجئ العاملون بالفرع الثقافي بأسوان بتجريدة من الحي تأتي لإخلاء المكان حتي يقيم "شباب النوبة" الكافتيريا عليه.. وبدلاً من أن يقدم المكان الثقافة والفنون يقدم الشيشة والحلابسة وربما قدم البيرة أيضا لزوم السياحة! بالتأكيد فإن هذا الأمر لن يمر مرور الكرام.. فقد أعلن الأدباء والمثقفون والمسرحيون في أسوان عن تنظيم وقفة احتجاجية أمام قصر الثقافة اليوم ضد المحافظ وقراره.. وطالبوا وزير الثقافة د.محمد صابر عرب وكذلك سعد عبدالرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة بالتدخل لدي رئيس الوزراء لوقف هذا القرار الجائر الذي يعبر عن استهتار المحافظ بالثقافة والمثقفين بل واستهتاره بالسلم الاجتماعي. حيث إن انتزاع هذا المكان من شأنه أن يشعل فتنة جديدة. خاصة أن راغبي الحصول علي المكان من أهالي النوبة والخطاب الموجه إلي المحافظ عليه شعار "الاتحاد النوبي العام" والأمور هناك لا تحتمل. وحسب مسئول في مديرية الثقافة -فضل عدم ذكر اسمه إتقاء للفتنة.. فإن العاملين بثقافة أسوان تلقوا تهديدات من المجموعة التي طالبت الحصول علي الحديقة في حالة رفض قصر الثقافة إخلاء المكان. وحذر المسئول من حدوث فتنة أخري في حال تنظيم المثقفين وقفة احتجاجية. فربما وصل الأمر إلي معركة جديدة أسوان في غني عنها.