المجزرة التي شهدتها أسوان مؤخراً وعودة ظاهرة الأخذ بالثأر مرة اخري تدق ناقوس الخطر حيث انها تؤدي إلي مقتل الأبرياء الذين لا ذنب لهم وتتسبب في إراقة نهر من الدماء لا ينتهي اعتقاداً من البعض بأن القصاص الذي دعا إليه الإسلام يكون بيد الأفراد حينما قال تعالي:"ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون". في هذا التحقيق حذر علماء الدين من الخلط بين مفهومي القصاص الذي دعا إليه الإسلام والأخذ بالثأر الذي هو صفة من صفات الجاهلية.. فقد أكد فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية أنه لا يجوز للأفراد تطبيق القصاص أو الأخذ بالثأر بأنفسهم بعيداً عن القانون ومؤسسات الدولة المعنية. ومن يقوم بذلك فقد أجرم في حق الدولة والمجتمع. ووقع في فعل محرم بإجماع العلماء. شدد المفتي في بيان له أن دعوات بعض الأفراد للقصاص أو الأخذ بالثأر من أشخاص بعينهم هو فعل محرم ومجرم باتفاق أهل العلم. حيث رتب الشرع الشريف لولي الأمر المتمثل في الدولة الحديثة في المؤسسات القانونية والتنفيذية جملة من الاختصاصات والصلاحيات والتدابير. ليستطيع أن يقوم بما أنيط به من المهام الخطيرة والمسئوليات الجسيمة. وجعل كذلك تطاول غيره إلي سلبه شيئاً من هذه الاختصاصات والصلاحيات أو مزاحمته فيها من جملة المحظورة الشرعية التي يجب أن يضرب علي يد صاحبها. حتي لا تشيع الفوضي. وكي يستقر النظام العام. ويتحقق الأمن المجتمعي المطلوب. أوضح المفتي علي اقامة العقوبات في العصر الحاضر في ظل دولة المؤسسات انما تناط بجهة محددة تسند إليها وهي ما يسمي بالسلطة المختصة. وهي المنوط بها تنفيذ من حكمت فيه السلطة القضائية. ولذلك فإن قيام آحاد الناس الآن بتطبيق القصاص بأنفسهم علي أشخاص بعينهم إنما هو عدوان علي وظيفة الدولة وسلطاتها المختلفة. وهو ما يقود المجتمع إلي الفوضي والخلل في نظامه العام. فضلاً عن تشويه صورة الإسلام ودعوته أمام العالمين. تداعيات خطيرة د.عبدالفتاح إدريس استاذ الشريعة الاسلامية بجامعة الأزهر يؤكد أن ما حدث في أسوان وما ترتب علي هذه الجريمة من تداعيات خطيرة ذهب ضحيتها العشرات ما بين قتلي ومصابين تضع يد المجتمع علي وجه من وجوه الخلل في تكوينه الاجتماعي باعتبار أن احترام الأفراد لأنفسهم أولاً عرف المجتمع الذي يعيشون فيه ومعتقدهم ومراعاته لعلاقات بعضهم البعض.. هذه المعاني كلها اندثرت وذهبت في زحام الحياة وإلا فإن مجتمعا محافظاً شديد المحافظة مثل أسوان وقعت فيه هذه المجزرة ولهذا فإنه ينبغي أن يلتفت القائمون علي الأمر لسبب هذه التداعيات التي نكبت هذا المجتمع والذي يؤشر إلي أن الانفلات الاخلاقي ليس في المدن فقط وإنما تعداها إلي غيرها من المجتمعات غير الحضرية وهذا ينذر بشر مستطير إذا لم يتدارك أولياء الأمر في داخل كل أسرة أسباب وقوع هذه الحوادث التي لابد وأن تكون ناجمة عن سوء التربية والتنكب علي الأخلاق السوية التي تدعو إليها جميع الديانات السماوية بل غير السماوية ايضا. اضاف: أما أن يتولي المجني عليهم الاقتصاص لذويهم من المعتدين فهذا يجعل الأمر فوضي لا ضابط له ولا رابط لأن تحديد الجاني من غيره ليس أمراً سهلاً في ظل هذه المعركة التي استأصلت كثيراً من أفراد هذا المجتمع الذي لا يعلم فيها إذا كان الاعتداء عمداً أم غير عمد.. والذي إليه تحديد الجاني من غيره وتحديد حقيقه الجريمة وتكييفها هي الجهات القضائية في الدولة.. فلا ينبغي لأحد الافتئات علي ذلك فالدولة هي صاحبة الاقتصاص الأصيل في هذا الأمر ولهذا فلا يجوز لأحد أن يكيف الواقعة وفقا لهواه واجتهاده الخاص ليتولي توقيع العقوبة علي ما يظنه من وجه نظره أنه الجاني وإلا كان الأر فوضي لا يعلم نهايته وما يؤول إليه إلا الله سبحانه وتعالي. بقايا الجاهلية يري د.أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء أن الثأر من بقايا الجاهلية التي تفتح أبواب الشر وتقضي علي الروابط الإنسانية وتحول الحياة إلي فوضي وسلسلة من المذابح التي لا تنتهي.. لذلك عندما جاء الإسلام فإنه قد قضي علي هذه الظاهرة بتشريع القصاص الذي يطبق فيه العدل علي أن يقوم به ولي الأمر يؤكد ذلك ايضا ما دعا إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم في خطبة الوداع من حرمة الدماء والأموال والاعراض حيث قال: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت الله فأشهد". قال إن ما حدث في أسوان شر مستطير وفتنة لعن الله من أيقظها.. فقد حرم الإسلام قتل الانسان لأخيه مهما كانت الأسباب واستشهد علي ذلك في القرآن الكريم بقوله تعالي:" ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً".. كما وضح أن الاعتداء علي النفس بغير حق هو عدوان علي الإنسانية ومن حافظ علي حياتها حافظ علي حياة الإنسانية جمعاء.. لذلك شرع القصاص وليس الثأر علي أن يتم بيد الحاكم وليس الإفراد صيانة للحرمات وحقنا للدماء وتحقيقاً لاستقرار وأن المجتمع قال تعالي "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعكم تتقون". آكد انه لابد من التعرف علي اسباب الأخذ بالثأر حتي نضمن منعه وعدم تكراره وطالب المسئولين والدعاه والمثقفين وأهل العلم والإصلاح وكل مؤسسات المجتمع المدني والرسمي بالقيام بدورهم لتصفية الخلافات.. كما طالب الأسرة بأداء واجبها نحو ابنائها بغرس مكارم الأخلاق وقيم العفو والتسامح والتعاون وكظم الغيظ في نفوسهم بدلاً من شحنهم بالأخذ بالثأر الذي يجلب غضب الله وسخطه.. كذلك ناشد وسائل الإعلام عدم تأجيج المشاعر السلبية بين أفراد المجتمع وأن يكون لها دور إيجابي في القضاء علي مثل هذه الظواهر السلبية والدعوة إلي الله بالحسني حتي يعم الأمن والأستقرار.