بالرغم من النصوص الكثيرة التي يتضمنها القانون, بالإضافة إلي الجهود الفائقة التي يبذلها القضاء للحد من الخلافات وإنهاء النزاعات بين الناس . فإن جريمة القتل خاصة في صعيد مصر لا يزال أطرافها لا يعترف كثير منهم بغير الثأر بديلا وسبيلا للقصاص العادل الناجز بحسب رؤية وثقافة أبناء الصعيد. وفي حين تكرس مؤسسات الدولة جهودها لتصحيح تلك الثقافة والانتصار دائما للقانون حكما بين الناس, جاءت المبادرة التي قام بها وفد الأزهر الشريف برئاسة الدكتور عباس شومان, وكيل الأزهر, والشيخ محمد زكي, أمين عام مجلس البحوث الإسلامية بالأزهر, للصلح في النزاعات الثأرية, وحقن الدماء بين عائلتي المخالفة والسحالوة بمدينة فرشوط شمال محافظة قنا والتي خلفت أكثر من30 قتيلا ومصابا بين العائلتين خلال العامين الماضيين.لتمثل سبيلا مناسبا وحلا للكثير من الثأريات التي تمتد عقودا من الزمان, واعتبر العلماء ذلك واجبا شرعيا يجب مساندته والدعوة إليه. ويقول الدكتور محمد الشحات الجندي, أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة حلوان, عضو مجمع البحوث الاسلامية, ان مبادرات الصلح التي تحدث من اجل حقن الدماء, واستعادة الهدوء للنفوس, والاستجابة لمطلب الشرع والعقل لتحقيق السلام الاجتماعي, أمر مندوب اليه شرعا, لان سمة المجتمع المسلم هي ان يسود الامن والسلم الاجتماعيان بين جموع ابناء القبيلة والبلدة والوطن الواحد. المجتمعات العصبية واوضح ان المجتمعات العصبية التي تعتمد علي استعادة الحقوق, عن طريق الأخذ بالثأر, لاشك أن هذا المسلك مرفوض شرعا, ولا يجوز لأحد ان يدعي ان هذا قصاص يمارسه أهل القتيل, ضد من قتل, لان القصاص الشرعي هو ذلك الجزاء علي الجريمة الذي يختص به الحاكم او القاضي الذي تعرض عليه القضية ويحكم فيها متي ثبت امامه ارتكاب الجاني هذه الجريمة, ومعني قوله تعالي:ولكم في القصاصحياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون, فان الخطاب هنا للجماعة الذين يمثلهم الحاكم, وليس لأولياء المجني عليه, لكن مع ذلك فإن ما تقوم به بعض المجالس العرفية في القبائل والعائلات من عمليلت صلح في حالات الثأر, حقنا للدماء هو أمر يحقق مقصد الشريعة, لان الشريعة تحض دائما علي الصلح, كما قال الله تعالي في قرآنه الكريم إنما المؤمنون إخوةفأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون, وايضا قول الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا احل حراما او حرم حلالا. وأكد الدكتور الشحات الجندي ان الصلح مقابل عوض يدفعه أهل الجاني أو بلا مقابل, هو من الامور التي حثت عليها الشريعة, قال تعالي يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلي الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثي بالأنثي فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدي بعد ذلك فله عذاب أليم., وعلي هذا الهدي فان الشرع والمجتمع والقانون ينبغي ان يبارك الجميع, كل جهود الصلح, وان يسعي الكل الي دعم تلك المبادرات والمشاركة فيها, وتقديم كل معونة ممكنة من اجل تفعيلها, وان يكون التسامح هو عنوان أخلاق المسلم الذي ينبغي ان يتحلي دائما بمبادئ الشريعة الاسلامية في الحفاظ وحماية النفس الانسانية والانتصار للحق في الحياة. دور الدعاة وفي سياق متصل, يؤكد الدكتور عبد الغفار هلال, الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف, ان علي كاهل علماء الدين والدعوة رسالة سامية ومهمة جليلة, في القضاء علي عادة الثأر, التي كانت من مظاهر الجاهلية الاولي, وجاء الاسلام فقضي عليها, بالاحتكام الي القضاء حتي يتحقق العدل, ولا يسود قانون الغاب, القوي يبطش بالضعيف في ظله, واشار الي ان مبادرات الصلح التي يقوم بها بعض الافراد في حل تلك النزاعات الثأرية التي تحدث في المجتمعات الاسلامية, بلا شك علي الجميع دعمها والوقوف الي جانب كل من يقوم بها لتنفيذها وتحقيق اهدافها, واخص هنا علماء الدين والدعوة, لما لهم من القبول والحب والتأثير في نفوس الناس. واشار الي ان دور علماء الدين, هنا يمر عبر مرحلتين مهمتين, المرحلة الاولي, امر وقائي, بمعني ان يقوم رجال الدعوة والعلماء, بتوعية الناس ضد هذه العادة السيئة, وما ترتب عليه من آثار سلبية تضر الفرد والعائلة. والمرحلة الثانية من دور علماء الدين والدعوة في القضاء علي عادة الثأر ودعم المبادرات التي تهدف الي ذلك, هي مرحلة العلاج, وتكون بتوعية الناس بأخلاق الإسلام ومبادئه, التي من بينها العفو والتسامح والصفح الجميل, قال تعاليفاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم. وشدد علي ضرورة ان تأخذ المؤسسات الدينية, وعلي رأسها الازهر الشريف, زمام الدعم لتلك المبادرات, من خلال القوافل الدعوية التي تجوب المحافظات خاصة النائية منها, لتوعية المواطنين بنبذ عادة الثأر, وفي الوقت نفسه, الإقبال علي المجالس العرفية التي تتولي عمليات الصلح بين المتنازعين, لأن محاضر تلك المجالس معترف بها قانونيا, ويعمل بها في أحكام القضاء.