العجز في موازنة الدولة يمثل أكبر المشاكل أمام أية حكومة مهما كانت قدرات المجموعة الاقتصادية الممثلة فيها والتي تحاول ضبط الأمور وتقليل هذا العجز.. وعندما يصل العجز إلي نحو 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي فإن المشكلة تزداد صعوبة ويبدأ البحث عن طرق غير تقليدية أو حتي تقليدية لمواجهتها لتسير عجلة الحياة للشعب دون شعور بالخطورة. ومن هنا تفكر حكومة المهندس إبراهيم محلب في الطرق التي يمكن بها تقليل هذا العجز في الموازنة. فأعلن هاني قدري وزير المالية أن الحكومة تفكر في فرض ضريبة قدرها 5 في المائة زيادة علي الأغنياء بصفة مؤقتة ولمدة ثلاث سنوات فقط.. أي ضريبة إضافية زائدة عن التي تحصل منهم حالياً. لقد أطلق الوزير التصريح دون أن يحدد لنا التفاصيل ومن هم الأغنياء الذين سيتم فرض الضريبة الإضافية عليهم؟! وكم يصل دخل الغني الذي سيخضع لهذه الضريبة؟! وهل سيدخل كبار موظفي الدولة في شريحة الأغنياء الذين تقتطع منهم هذه النسبة. مع الأخذ في الاعتبار أنهم خضعوا للحد الأقصي للأجور الذي أقرته الدولة؟! ويستمر التساؤل: هل سيخضع تجار التجزئة والجملة لهذه الضريبة؟! وهل ستخضع المصانع والشركات العامة والخاصة لها مع الأخذ في الاعتبار أيضاً أن هناك ركوداً اقتصادياً حاداً في مصر منذ ما بعد ثورة 25 يناير 2011 حتي الآن؟ وهناك شركات ومصانع في القطاعين العام والخاص تعجز عن توفير المرتبات الشهرية للعاملين فيها. لم يقل لنا الوزير قدري في تصريحه أيضاً هل تم ولو بصفة مبدئية تقدير المبالغ التي سيتم تحصيلها من هذه الضريبة؟! وهل ستصل فعلاً إلي عدة مليارات من الجنيهات؟ وهل ستقلل العجز في الموازنة إلي 10 أو 8 في المائة بدلاً من 12 في المائة؟ كل هذه أمور يجب أن يعلنها الوزير علي الرأي العام بكل صراحة وشفافية ليعرف المواطنون كيف تسير أمورهم وما هو المستقبل الذي ينتظرهم. ونأتي أيضاً إلي ما تضمنه تصريح الوزير هاني قدري من أنه يفضل الدعم النقدي علي الدعم العيني. وساق الوزير حجة مقنعة بأنه تم إنفاق نحو تريليون جنيه "ألف مليار" علي الدعم والمزايا الاجتماعية والمنح خلال السنوات العشر الأخيرة. ورغم ذلك لم تتحسن أحوال معيشة المواطنين. وإذا كان هذا أمراً صحيحاً ومقنعاً فهل سيشعر المواطن بالتحسن إذا تم إحلال الدعم النقدي مكان الدعم العيني؟! إن الدعم العيني يتمثل حالياً في المواد التموينية المدعمة التي يصرفها المواطن شهرياً مثل السكر والزيت والأرز وبعض السلع الأخري. وهي سلع أساسية تعتمد عليها الأسرة في حياتها وتقيها من تقلب الأسعار وارتفاعاتها وتقيها أحياناً من اختفاء هذا النوع من السلع. ونواصل توجيه الأمثلة للوزير: هل وضع تصوراً لعدد الأسر والأفراد الذين يحصلون علي الدعم العيني؟! وما هو المبلغ الذي سيتم صرفه لكل فرد أو أسرة تعويضاً عن الزيت والسكر وخلافه؟! وهل سيدخل الخبز وهو دعم عيني في منظومة التغيير المقترحة؟! يجب أن نلاحظ في إطار نظرية فرض الضرائب أنه تم أخيراً إقرار قانون فرض الضريبة علي العقارات.. وهناك تفكير في فرض ضريبة علي المصريين العاملين بالخارج.. واللجوء إلي سياسة فرض الضرائب كحل لعجز الموازنة ربما يؤدي إلي مشاكل اجتماعية أقسي من هذا العجز. هذه الحكومة.. وأية حكومة معذورة لأن جميع طرق التغلب علي المشاكل الاقتصادية استنفدت.. سواء من حيث الحصول علي قروض خارجية أو داخلية أو من حيث المساعدات والمنح ورغم ذلك فإن المشاكل مازالت قائمة ومستعصية علي الحل. فإذا أضفنا إلي ذلك حالة التراخي في الإنتاج والمطالب الفئوية بإصلاح الأجور وعمل كادرات خاصة والانفلات الأمني والعمليات الإرهابية لأدركنا أن المشكلة في غاية الصعوبة.. ولن تحلها المسكنات وإنما لابد من مشروع متكامل ونظرة شاملة للحل لأن المسكنات علي مدي 30 عاماً هي التي أوصلتنا إلي هذه الحالة المُزرية.