تتكاثر حولنا محاولات التفرقة وزرع الفتن بين الأشقاء العرب ، وفي هذا الجو المشحون تتجلّى الحاجة إلى صوتٍ عاقل يُعيد رسم الحقيقة بلا تهويل ولا تهوين ، وهنا أود التأكيد علي أن العلاقات بين مصر والسعودية ليست أبداً خاضعة لعواصف السوشيال ميديا، بل هي علاقات ممتدة بجذور التاريخ وعمق المصير المشترك ، وهذا المقال ليس دفاعاً بل تذكيرٌ بالثوابت المتينة بين الدولتين ، وبأن التقارب بينهما أقوى من كل أصوات الفرقة والفتنة. والحقيقة أنني أتابع جيداً كل ما يدور على وسائل التواصل والقنوات الإعلامية المتنوعة بنوع من الدهشة أحياناً ، والاستهجان تارةً أخرى، والاستنكار كثيراً ، لما أراه من محاولات مستميتة لزرع خلاف أو نزاع أو صراع، ومحاولة تصوير الأمر وكأن الدولتين في حالة عداء. ومن وجهة نظري فإن تلك المحاولات ما هي إلا مساعي بائسة لاستدعاء صراع لا أرى له وجود. كل دولة لها مصالح، وقد تتقاطع مصالح الدول حتى المتحالفة منها أحيانًا، ولكن هذا التقاطع لا يعني حالة عداء، بل يعني فتح آفاق جديدة للحوار وتطوير آليات العمل وأوجه التقارب، لتحقيق مزيد من طموحات كل دولة. الغريب والمستنكر بالنسبة لي، أن أرى بعض من ينتمون إلى النظام في أي دولة، ينخرطون في أحاديث ويتأثرون بوسائل تم خلقها وزرعها بالمنطقة أساسًا بغرض زرع الفتن والفرقة بين الأشقاء والمتقاربين. والأخطر من ذلك، أن يستجيب من هم على رأس المنظومة الثقافية الشعبية في الدولتين لهذه المحاولات ، فبعضهم يفعل ذلك في محاولة لاسترضاء نظام، والبعض الآخر بادعاء "وطنية"، فيكون كمثل الدب الذي أراد أن يحمي صاحبه، فأصابه بحجر على رأسه فقتله. الواقع العملي يقول إن العلاقات المصرية السعودية كانت دائمًا ثابتة على محددات وثوابت لا مناص منها، وهي احترام كل دولة لمكانة الأخرى ، فالسعودية، باعتبارها بلد الحرمين الشريفين ومركز الثقل الإقليمي بشبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج، وبما لها من نفوذ اقتصادي وعلاقات بالمنظمات الدولية والدول الكبرى، تمثل مرجعية مؤثرة في منطقة الخليج والشرق الأوسط. أما مصر، فهي «الشقيقة الكبرى» للخليج والمغرب العربي والقرن الإفريقي، ولها مكانة عالمية راسخة عبر التاريخ، وهي الحصن الحصين لدول الخليج، والظهر والسند لكل القضايا الإقليمية والعربية . وفي النهاية، من الطبيعي أن تتقاطع بعض السياسات، وقد تختلف بعض زوايا الرؤى وفقًا لمصالح كل دولة، بحسب ما تراه مناسبًا لها ، لكن المؤكد أن هذا التقاطع يظل محل نقاش وتقارب دائم بين الدولتين، وهكذا كان على مر العصور. فلا السعودية تنكر على مصر دورها، ومستنداتها، ودعمها . ولا مصر تنكر على السعودية مواقفها، ودعمها وقت الحاجة. كاتب المقال : كاتب ومفكر سياسي ونائب سابق في البرلمان