سوف تظل سماحة الرسول "صلي الله عليه وسلم" في يوم الفتح الأكبر نموذجا وقدوة وأسوة حسنة لكل المسلمين علي مدي الأيام وتوالي السنوات. وسوف يظل هذا العفو يوم دخول سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم أم القري فاتحا نبراسا يهتدي به كل من أراد بناء أمة أو مجتمع علي أساس وقواعد تعتمد علي الصفاء والمودة والابتعاد عن الانتقام وتصفية الحسابات والبحث عن مهام تتضمن تصفية النفوس وتهدئتها وإتاحة الفرصة للبناء وتجاوز شهوات النفس البشرية بأي صورة من الصور وبأي شكل من أساليب الانتقام من خصوم الأمس أيا كانت قسوتها أو شدائدها. لكن.. هذا العفو وتلك السماحة لا تمنع الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم من عقاب المخالفين بكل حسم ودون أي تخاذل لضبط حياة المجتمع وتنفيذا لأوامر الله سبحانه لضمان تحقيق الأمن والاستقرار وردع كل من يرتكب أي جرائم تثير القلق والاضطراب بين أفراد الأمة وتأكيدا لحفظ حقوق كل أبناء الأمة وردع من يخرج علي المباديء الإسلامية والقيم التي ارتضاها المجتمع. حقيقة لقد كان الرسول في يوم فتح مكة قائدا منتصرا لكن سماحته وعفوه سيطرت عل كل تصرفات هذا القائد ذي القلب الرحيم ومما يوضح هذه الحقائق التي تكشفت يوم الفتح العظيم. أن أحد المسئولين عن أحد الوية جنود الفتح حينما قال: اليوم يوم الملحمة "رفض الرسول هذا الأسلوب وقال: أبدا هذا اليوم يوم المرحمة" في إشارة إلي أنه لا مكان لتصفية الحسابات ولا مجال للانتقام بأي شكل من الأشكال إن الرحمة ونشر ألوية المحبة والود هي السمة الأساسية لكل قوات الفتح. وكذلك حين تمت السيطرة علي كل أنحاء مكة اجتمع كل رجالاتها وبدت علي وجوههم علامات استفهام تشير إلي ما هو المصير الذي ينتظرنا وكيف يتصرف معنا الرسول وهل سينتقم أم ماذا؟! وإزاء هذه الأسئلة الحائرة في صدور هؤلاء الرجال سأل الرسول صلي الله عليه وسلم قائلا بصوت يسمعه الجميع: ما تظنون أني فاعل بكم؟ فأجابوا في نفس واحد: أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء وشمل العفو الجميع وغطت سماء مكة أنوار السماحة والرحمات التي غطت سائر البشر هناك بمظلتها الانسانية. مؤكدة أنه لا مجال للشماتة أو الانتقام وأنه لا تأثير لما جري يوم خروج الرسول صلي الله عليه وسلم مع صاحبه مهاجرين إلي المدينةالمنورة تلك قيم الدين الحنيف التي تستهدف دعم أواصر الحب بين أبناء المجتمع وفي نفس الوقت قدوة وأسوة لكل قادة الأمم والمصلحين لشئون المجتمعات. هذا التصرفات التي تتسم بالشفافية والرحمة والوضوح في أعقاب الانتصار في معركة حربية فاصلة لا يتنافي مع عقاب المخالفين والخارجين علي القيم والمباديء ولا مجال لأي رأفة أو وساطة فها هو صلي الله عليه وسلم قد أكد أن العقوبة سوف تطبق علي آي فرد يخرج علي المبادئ حتي لو كانت أحب الناس وأقربهم إلي قلبه فيقول: "والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها" والأكثر من هذا أنه حينما جاءه أسامة بن زيد يشفع لأحد الأفراد فيقول له: أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟ وقال بكل حسم: لا مكان لأي شفاعة أوتدخل للحيلولة دون تطبيق العقاب علي أي مخالف أو خروج علي تلك المباديء والتعليمات التي جاءت من رب العالمين. كل ذلك يؤكد أن التسامح والعفو لا يمنع تطبيق العقوبات علي أي مخالف أو خارج علي المباديء ء. مما يؤكد أن الحفاظ علي الروابط بين أبناء المجتمع تتصدر تلك الضوابط حتي تمضي الحياة بلا أي منغصات أو معوقات تعطل المسيرة وحتي يتحقق الأمن و الأمان والاستقرار لكل إنسان يسير علي أرض الواقع. وليت هذه القيم وتلك المباديء يستلهمها كل المصلحين والمهمومين بشئون الأمة والمجتمعات والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.