رنّات حزينة تعصف براحة البال. تملأ الروح بالشجون والقلب بالأوجاع تصاحب الشهداء في رحلة الوداع إلي مثواهم الأخير. زغاريد الأمهات الثكلي قبل أن تُودع فلذات قلوبهن القبر سكاكين تشق الصدور.. جنازات يومية لشهداء تغتالهم رصاصات الغدر وفق تخطيط شيطاني وحشي لجماعة تاجرت بالدين. صور هذه الجنازات الجماعية شهادة للتاريخ عن مرحلة سوداء غارقة في الدماء حكمتها هذه الجماعة. لم يعرف المصريون مثل هذه البربرية من قبل ابناء جلدتهم. "الجماعة" ربت وحوشاً آدمية ودربتهم علي القتل وسفح دماء المصريين باسم الإسلام. الألم المتزايد عند سقوط كل ضحية يغتالها الإرهاب وقود إضافي يؤجج مشاعر الكراهية والرغبة في القصاص عند كل مصري. أتخيل أثناء هذه الجنازات اليومية لأبناء من الشرطة والجيش. رءوس من اغتالوهم تتطاير أمامي. اتخيلهم اشلاء تلاشت ملامحهم من فرط مشاعر الغضب والغيظ وقلة الحيلة. ومثل هذه الخيالات معذبة ومشاعر الانتقام مؤرقة لا شك. ولكن ما حيلتنا وقد فاض الكيل وزاد. وتجاوز أي قدره علي التسامح. من منا يتخيل جحيم الألم الذي يشعر به أمهات وأهالي هؤلاء الشهداء الذين يسقطون فجأة برصاص أشد ضراوة من رصاص الاستعمار وأشد إيلاماً لأنه يأتي من مصريين؟! لن يخفف من العذاب والألم سوي القصاص العادل. وانفاذ القانون. وسرعة الإمساك بالقتلة وتعذيبهم بلا رحمة. إن التلكؤ كارثة. والكارثة الأكبر أن تستمر النعوش الملفوفة بأعلام مصر ومصحوبة بصرخات النحيب وآهات الحزن ودموع الرجال والأمهات. الأم المصرية شجاعة. وبطلة رائعة تحملت ما لا يمكن تحمله من أثقال الحزن واللوعة ومشاعر الإحباط من هذا الصراع. فحتي الآن لن يتحقق القصاص وحتي الآن لم نسمع عن تنفيذ أحكام الإعدام حتي تنطفئ نيران القلوب. نحن أمام متاهة من التساؤلات: متي نقضي علي هذا الإرهاب الوحشي المدعوم بالمال وأجهزة المخابرات وقوي الشر التي تناصب مصر العداء. بل ومن منظمات ما يسمي بحقوق الإنسان؟. حتي الآن نشاهد وجوهاً قبّح الله ملامحها وبشّع أصواتها ومازالت تظهر علي الشاشات. أناس لم يتبنوا مظاهر الشيخوخة ولم يدركوا موات الهمة التي باتت تميزهم يعبرون عنها عبر مبادراتهم الخائبة. ولم يتبينوا مدي منتجهم وهم يلوحون "بمبادرات" ويطرحون أفكارهم التعيسة حول المصالحة. ليتهم يتوارون. فلم تعد مهاراتهم اللفظية تقنع أحداً. ولن تفلح في تمرير أفكارهم الخبيثة وتواطئهم عمداً أو بدون عمد. ليتنا نودع من يُسمون أنفسهم ب "النخبة" وهم "نكبة" في حقيقة الأمر نودعهم إلي مثواهم المناسب داخل جدران مكاتبهم حيث يعقدون جلساتهم العقيمة. وليتهم فعلاً يتوارون بعيداً عنا وعن هذا المشهد الحزين. ويسألون أنفسهم ماذا قدموا طوال أكثر من نصف قرن وماذا فعلوا سوي الثرثرة واشاعة الاحباط وسجن أحلام المصريين في زنازين اليأس واللعب فوق كل المسارح ومع جميع الحكومات. ومع ما هو أبعد من ذلك ربما.