من المآثر التي تحسب للمرحوم الأستاذ الدكتور سمير سرحان رئيس هيئة الكتاب أنه أخذ زمام المبادرة بأن أعاد إصدار رسائل الماجستير والدكتوراه في طبعات شعبية تحت اسم تاريخ المصريين.. وقد أصبحت من أشد المتحمسين لهذه الإصدارات وحصلت علي عشرات منها واستمتعت بقراءتها ودراستها فهي تحتوي علي ذخائر علمية وكم هائل من المعلومات القيمة في كافة المجالات حسب البحث والدراسة.. وفي كل صفحة من صفحات أية رسالة نشعر بمدي الجهد الذي بذله الباحث من حيث عدد الكتب والمراجع التي استعان بها حتي يصل إلي النتائج التي يريدها.. وطبيعي أن يقضي الباحث سنوات وسنوات من التفرغ الكامل لإعداد رسالته ولكن المستشار الدكتور عبدالمجيد محمود رغم كل المشغوليات التي تحيط به والأحداث الجسام التي تحتاج إلي تحركه شخصيا والتحقيقات المتوالية التي يشرف عليها وهو يجلس علي قمة النيابة العمومية محاميا عن الشعب نائبا عن المجتمع في الدفاع عن مصالحه فقد استطاع أن يستقطع أوقاتا لكي يجري أبحاثه ودراساته العلمية التخصصية عن الفساد.. وأمضي أكثر من عشر سنوات وهو يدرس ويبحث.. ليس هذا فقط بل حضر العديد من المؤتمرات الدولية والعلمية في بعض بلاد العالم والتي ناقشت وبحثت في الفساد وتداعياته وسجل ما استطاع عن هذه المناقشات والتوصيات لضمها إلي رسالته.. التي احتوت علي نحو 830 صفحة ضمت أشهر قضايا الفساد واتساع دائرته محليا وعالميا.. وكيف أعاق الفساد خطط التنمية الاقتصادية في البلاد الفقيرة ثم بدأت تزحف علي الدول الأخري. وطبيعي أن تسجل الرسالة تعريفا للفساد وصوره وأنماطه المستحدثة والربط بين الجريمة المنظمة والفساد وجرائم غسيل الأموال. ويري الدكتور عبدالمجيد ان سرعة المحاكمة تحقق المصلحة الخاصة للمتهم بوضع حد للآلام التي يتعرض لها بسبب وضعه موضع الاتهام وربما يكون بريئا ويري أيضا ضرورة انشاء جهات تحقيق ومحاكم متخصصة في جرائم الفساد تتولي الإجراءات والملاحقة.. وتشجيع القطاع الخاص للقيام بدور فعال في مكافحة الفساد بجميع أشكاله وغير ذلك من النتائج والتوصيات التي توصل إليها. يمكن القول ان الدكتور عبدالمجيد هو أول من قدم دراسة علمية تحليلية عن المواجهة الجنائية للفساد في ضوء الاتفاقيات الدولية والتشريع المصري.. وبصراحة فإن الكل يتكلم عن الفساد وجرائمه في كل مكان ويوزعونه علي قطاعات كثيرة.. ولكن لم يذكر أحد - حتي من المسئولين - كيفية القضاء عليه ومنعه.. بل ان الكلام عنده يكون عادة مرسلا بدون تحديد إلي أن انتهت رسالة الدكتوراه إلي وضع مفاهيم عدة للفساد وطرق مواجهته. وبعيدا عن رسالة الدكتوراه فإن الفساد وجرائمه منتشر في كل أنحاء الدنيا.. وعميق في القدم وقد وصف اللواء الدكتور بهاء الدين إبراهيم حالة البلاد المصرية القديمة "طيبة" في أوائل الأسرة الثانية فيقول: ان الطرق غير محروسة ويختبئ الناس بين الأشجار حتي يأتي المسافر فيأخذون منه أحماله ويسرقون ما معه وإذا خرج ثلاثة رجال إلي الطريق.. لا يعود إلا اثنان.. لقد امتلأت الأرض بالعصابات واختفي كل شيء صالح وتنكر الناس بعضهم لبعض. ومن صور الفساد الأخري التي سجلها الدكتور بهاء كيف كان لو الأمر يتلاعبون بأقوات العمال ولا يصرفون مقرراتهم.. وعندما يتظاهرون ويحتجون يهرع إليهم كاتب القبر السري ورؤساء العمال ليقسموا انهم سيعطونهم مستحقاتهم.. ولكن كالعادة لم يحصلوا علي شيء.. وهكذا كان الحال في مصر الفرعونية. وفي العصر الحديث كان الفساد منتشرا بصورة مفزعة.. وقد سجل مثلا مكرم عبيد في كتابه الأسود صوراً عديدة عن مصطفي النحاس وزوجته والوزارة الوفدية وأيضا استقال نجيب الهلالي من رئاسة الوزارة سنة 1952 لعجزه عن إجراء التطهير الذي نما وترعرع في البلاد والقضاء علي الفساد الذي استشري.. وكانت هذه الإجراءات تأتي علي قمة برنامج الوزارة. نعود إلي رسالة المستشار الدكتور عبدالمجيد محمود الحقيقة انها أول دراسة علمية تحليلية شملت توصيات مهمة للقضاء علي جرائم الفساد أو الحد منها. وعموما فإن التاريخ سيسجل أن المستشار عبدالمجيد محمود حصل علي درجة الدكتوراه وهو علي قمة جهاز النيابة العامة التي تعد شعبة أصيلة من شعب القضاء المصري العتيد. أهمية هذه الرسالة ليست انها فقط مقدمة من النائب العام لكنها درس للشباب يثبت ان طلب العلم لا نهاية له.