عندما نلح علي قضية سرقة الآثار. فلأن سرقة الأثر تعني ضياعه. وضياع الأثر يعني- بلا أدني مبالغة- اقتطاع جزء من التاريخ المصري. أو الذاكرة المصرية. طعالتنا وسائل الإعلام- في الأيام الماضية- بجرائم سرقة وتهريب للآثار. بلغت حد استخدام سلم. والصعود عليه داخل جسم الهرم الأكبر. والطيران إلي ألمانيا بما تمت سرقته. بلا حس ولا خبر. اللهم إلا بعد أن أذاعت التقارير الإعلامية ما حدث! لا عذر بقلة الحراس. ولا ضعف الإمكانات. وحين تنشأ وزارة للآثار فإن المعني الأبسط لوجودها أنها تحمي أثارنا. وترممها. وتدرأ عنها محاولات السطو والسرقة. ما حدث في الفترة الأخيرة يشير باهتزاز قبضات الأيدي إلي السادة المسئولين عن الآثار المصرية. بداية من الوزير. حتي الخفراء الذين قد تغيب عن وعيهم أهمية المواقع التي يحرسونها! تصورت أن كل المسئولين في بلادنا. ستحركهم الغيرة الوطنية بعد أن قررت منظمة اليونسكو رفع بعض المواقع الآثرية المصرية من قائمة التراث الإنساني العالمي. لما جري لهذه الآثار من إهمال وتشويه بلغ حد اقتحام حرم خوفو. وصبغ هرم زوسر باللون البمبي. وسرقة هرم سقارة بواسطة بعض المسئولين عن حراسته! أذكر أني تناولت خطورة تشويه الآثار. أو سرقتها. أو تدميرها. وأنها تعني الضياع والاندثار. حيث لا سبيل إلي استعادتها. حتي الترميم الذي يحاول إصلاح ما أفسده المخربون لا يعيد الأثر إلي أصله.. والشواهد كثيرة. ما لا يقدر بثمن. ويصعب استعادته. يتجاوز معني السرقة أو التدمير. حتي الذي يسطو علي قطعة أرض أمتلكها. استطيع أن استعيدها بوسيلة ما. ومنها اللجوء إلي القوة. أما جريمة الآثار فإنه من الصعب- إن لم يكن من المستحيل- تعويضها. جرائم الآثار هي قضية أمن قومي. ليست مجرد حوادث عادية. لكنها اعتداء علي التراث. الذي لا تستقيم بدونه حضارة أية أمة. لذلك كان حرص الغرب بتاريخه الذي لا يزيد عن بضع مئات من السنين. علي إلباس ثوب التراث ما ينتمي إلي عقود قريبة. مجرد أن ينسب إلي نفسه حضارة لم تكن موجودة. ولعلنا نلحظ حرص إسرائيل الغريب أن تدعي لها تراثاً. حضارة. حتي لو جاء ذلك علي حساب التراث الفلسطيني بخاصة. والتراث العربي بعامة. هذا النزف الذي تعرض له تراثنا الوطني في امتداد التاريخ. ومن خلال عمليات النهب والتشويه التي مارسها لصوص ومغامرون وعلماء آثار. غاب- بتبدده- في أفق المستحيل. ولن يتحقق الحفاظ علي ما تبقي إلا باعتبار سرقة التراث- بصرف النظر عن قيمته- جريمة تستحق المؤاخذة الرادعة. الأخبار التي تطالعنا بروتينية سخيفة عن اكتشاف تشويه قطع أثرية أو مخطوطات. أو سرقتها. ومعاقبة هذا المسئول أو ذاك. لا تلغي حقيقة أن هذا التراث فقدناه بالفعل. ظني أن معظم ما نهب أو شوه. أو دمر. ذهب لن يعود. وإذا كانت وزارة الآثار تحاول- كما أعلن- بذل المحاولات الجادة. والمسئولة لاستعادة ما فقد. فإن الأمل قائم في الحفاظ علي أعز ما تملكه أمة. وهو تاريخها. وتراثها الوطني.