في طفولتي زمان يعني كانت أمي تطل من نافذة الشارع الذي يفصل بين البيت وجامع سيدي علي تمراز. يعلو صوتها بالقول: تمثيلية في الراديو. أترك اللعبة التي شغلتني مع الأولاد: كرة الشراب. عنكب يا عنكب. البلي. أولها إسكندراني. الطائرات الورقية. شكل للبيع. وغيرها. أعسد السلالم إلي الطابق الثالث في دقيقة أو أقل. أجلس تحت جهاز الراديو الموضوع في الصالة علي حامل خشبي. استغرق في حكاية علي بابا أو عوف الأصيل أو المسكين مرزوق أو عذراء الربيع أو توفيق بائع الدندرمة. وغيرها من التمثيليات التي تحملني إلي عوالم متجددة من الخيال الجميل: السيد علي بابا هنا؟.. ياتري إنت فين يامرزوق.. هوه لسه ما صفرش.. جالوا جاي يجاضينا جالوا جاي مع الشرطة.. انت في بحر الظلمات.. محسوبك سليمان تاجر زيوت من طهران.. أنا كل يوم والتاني أرجع هنا تأني.. مالك وشك اصفر يا عكر وروحك حا تطلع.. حزروا فزروا جايب لكم إيه؟.. وانت يا مرجانه بإيه أجازيكي.. يا حلو ناديلي وشوف مناديلي.. جاي أطلب ضيافتك يا سيد علي بابا.. يا لطيف اللطف يارب.. سلامتك عندي بالدنيا ياسيدي.. حته جنيه قديمة تبقي الأكلة عظيمة حبة فول حراتي تبقي الأكلة ذواتي.. عندي الحرير ألوان تحتاج في حسنة العين.. آذار يا بهجة النوار.. افتح يا سمسم.. مين يعادينا؟.. في أراضينا؟.. ياريس خدوني معاكوا.. يرخص لك الغالي يا أم المقام عالي.. دوق دوق دوق الدندرمة مصنوعة بذوق بإيدين توفيق الدندرمة.. مولاتي قطر الندي.. أين أنت ايها الأمير؟.. ده أنا قاسم أخوك.. خدوه واجلدوه ستين جلدة.. أخلع عليك تاج الجزيرة.. السلطانية. إذا كانت مخيلاتنا قد أفادت من حواديت الجدات والأمهات. وقصص كامل كيلاني وفريد أبوحديد وسعيد العريان ومجالات البلبل وسندباد والفارس.. إذا كانت مخيلاتنا تدين لذلك كله في تنمية حسها الجمالي. وتعرفها إلي الحدوتة. وإعادة روايتها. ومحاولة محاكاتها فإنه يغيب بلا سبب عن برامج الإذاعة الحالية. كأن الخيال وصل إلي نهايته في أْمال عبدالفتاح مصطفي وبابا شاور وأنور المشري وعبدالوهاب يوسف وكأن الأجيال الحالية من المؤلفين والمخرجين قد وجدت غاية المراد في القص واللصق. والمسلسلات التي لابد أن تأخذ الشهر بكامله مقاولة. قصة وسيناريو وحوار. والسذاجات التي تغيب عنها أبسط مقومات العمل الدرامي. دون إدراك لنوعية المتلقي وسنه. ومدي تعلمه ووعيه. أما حواديت أبلة فلانه وأبلة علانة. فلعلي اتحدي أن تتذكر "الأبلات" واحدة منها. لأنها مثل وجبات الدليفري أو الساندوتشات التي يزول تأثيرها عقب تناولها. أو تحقق تأثيراً سلبياً. ولعلي أذكر حودتة أبلة فضيلة التي خاطبت فيها الاطفال متسائلة: تعرفوا يا أولاد بلاد الفلاحين؟!.