لو كانت جدتى يرحمها الله على قيد الحياة الآن، وهى ترى حفلة الزار التى سادت مصر الرسمية، عقب الإفراج عن جنودنا السبعة، ل"رقعت بالصوت الحيّاني" على "الخيبة التقيلة" لدولة يُفترض أن لها هيبتها، وجيشها وشرطتها، ولا يجب أن يُستباح مواطنوها حتى وهم على أرضها. جدتي، التى كانت تحلم بعودة سعر "تذكرة الشاي" كما تطلق على الباكو وقتها، إلى ما كانت عليه قبل حرب أكتوبر، خاصة بعد تصريحات الرئيس الراحل أنور السادات بأيام "السمن والعسل" عقب الحرب واتفاقية السلام مع العدو الصهيوني، كانت سترقع "ألف صوت" وهى تشاهد المسخرة التى عشناها فى سبعة أيام، ما بين تحذيرات ومفاوضات ووفود "رايحة جاية" من أجل "الحفاظ على أرواح الخاطفين والمخطوفين"، كما قال بيان الرئاسة. مصيبتنا السوداء.. أن هيبة البلد، تمرغت فى الوحل أمام عصابة إرهابية، مثلما "تتمرمط" يومياً، أمام أى بلطجى فى أى شارع أو "حارة مزنوقة"، بينما "أصابع" الأمن عاجزة وتقف متفرجة إزاء كل ما يجري، وإذا كانت هذه "الأصابع" التى أشار إليها يوماً فخامة الرئيس محمد مرسي، مغلولة بحكم عوامل كثيرة، إلا أنه لا يمكن أبداً قبول أو تفسير ما أعلنه السيد وزير الداخلية، من أن وزارته كان لديها علم قبل شهرين، بما يمكن أن يحدث، بل زاد الطين بلّة، بأن وزارته أيضاً تعلم أن الخاطفين، لديهم صواريخ ومدفعية مضادة للطائرات.. والسؤال: لماذا سكت معاليه عن هذه المعلومات؟ وهل أبلغها؟ ولمَن؟ وماذا حدث؟ أن يعود أبناؤنا السبعة، دون إراقة دماء.. فهذا شيء محمود بالطبع.. ولكن ما المقابل وما الضمانات؟ وهل صحيح أن هناك اتفاقاً بلاش صفقة حتى لا يغضب كثيرون وما هو بالتفصيل؟ فمن حق هذا الشعب الذى وقف على قدميه طيلة أسبوع أن يعرف بالضبط، لا أن يصبح الأمر مجرد حدوتة من حواديت الست مرجانة أو عمنا مرزوق العتقي.. حد فاكره؟ عندما سألته زوجته بصوتها الشجي، عقب عودته من غياب طويل: "أنت جيت يا مرزوق؟" مع كامل تقديري، لجهود الإفراج عن الجنود السبعة، إلا أن الأمر، بات يذكرنى ب"سلطانية على بابا" الشهيرة، فما أكثر من "سلطانية" لبسناها فوق رءوسنا، خاصة فى العامين الأخيرين، حتى أصبح فك أى لغز، أو تفسير أى وعود رئاسية أو غيرها أشبه ب"طاقية الإخفا"، فأصبحنا لا نفهم شيئاً ولا نصدق أحداً. من سلطانية الدستور، إلى طاقية ضباط الشرطة المختطفين منذ عامين، دون أثر، إلى مغارة الحكم الملتبسة فى حكاية الجنود، بات الشعب أكثر بلبلة، من مشاعر الفرح بتحرير أبنائه، إلى مسرحية مطار ألماظة، حيث كان الرئيس وكبار رجال الدولة يشاركون وعلى الهواء فى مسرحية استقبال الجنود، الذين أتحدى أن يكون هذا هو منظر أى عسكرى "غلبان" فى أقصى بقعة على الحدود! للدرجة التى جعلتنى أردد مع السيدة دعاء رشاد، زوجة الرائد المختطف محمد الجوهري: لماذا الدولة تكيل بمكيالين مع أبنائها وجنودها.. إلا إذا كان هناك "إنّ"، كما يقول الفلاحون البسطاء؟! "إنّ" هذه تفزعنى، أما السيناريو المجهول والمخيف.. والذى لن يتعدى أن الأمر كله عرض مسرحي، لرفع شعبية الرئيس، كما يقولون.. أو بالون اختبار يعيد للأذهان محاولة فاشلة للتخلص من الفريق السيسى ورئيس الأركان على غرار ما حدث مع المشير وعنان عقب مذبحة جنودنا ال16 فى رفح، والذين تعهد الرئيس ذاته، بالانتقام لهم.. وكشف لغز مقتلهم.. وهذا ما لم يحدث حتى مع اقتراب الذكرى السنوية للمأساة. الإخراج الفاشل للمسرحية العبثية يجرنا إلى نفس "السلطانية" التى نلبسها كل مرّة دون أن نتعلم الدرس، ويجعلنا نرقص ونهلل، وتردد كل تليفزيوناتنا وإذاعاتنا الرسمية الأغانى الوطنية بكل بلاهة، "سينا رجعت تانى لينا ومصر اليوم فى عيد".. ونكتفى فقط بما قالته الزوجة إياها: "إنت جيت يا مرزوووووووووق"! ..... .... بلا خيبة!!! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.