عندما تكون الدولة عازمة علي مواكبة العصر والنهوض بشعبها إلي مرتبة مرموقة بين الشعوب فإنها تدفع بشبابها إلي صدارة المشهد.. باعتبار أن الشباب لديهم الحمية والحماسة لتحويل النظريات إلي واقع ملموس يشعر به كل مواطن. لكن هل ذلك يعني إهمال أصحاب الخبرات المتراكمة وإلقاءهم في سلة المهملات والاستغناء عن خدماتهم إلي الأبد؟! لو أننا أخذنا بهذه النظرية لقطعنا صلتنا بالتاريخ.. والتاريخ هو رصيد الشعوب والكنز الذي تستمد منه عظمة الحاضر والانطلاق نحو المستقبل.. والتاريخ هو التراث الغني بالتجارب لمعرفة مواطن وأسباب الفشل والنجاح. إن إهمال أصحاب الخبرات تحت دعاوي الجمود والتخلف يعني أن نقف بالشباب عند سن الخامسة والثلاثين أو الأربعين. ونعمل علي إخراجه من إطار الصورة باعتباره أصبح كهلا.. مع أن سن الأربعين هو سن النضج العقلي والتفتح الفكري والسن الذي يزن فيه الإنسان الأمور بميزان دقيق ليعرف الغث من السمين ويميز بين ما هو حق وما هو باطل. ولعل الله - سبحانه وتعالي - أراد تنبيهنا إلي حقيقة سن الأربعين فلم يكلف رسولا من رسله بتبليغ رسالة السماء إلي الأرض إلا في هذه السن.. باستثناء عيسي - عليه السلام - الذي أنطقه وهو في المهد صبيا. والسؤال الذي يمكن أن نطرحه في هذا المقام: من هو الشاب الذي يجب أن ندفع به إلي الصدارة ليحقق أو علي الأقل يساهم في تحقيق نهضة مرجوة للشعب في مختلف المجالات؟! وعلي أي أساس يتم اختيار هذا الشاب وتكليفه بالمسئولية؟ هل هو الشاب العاطل عن الميزات الفقير الإمكانات الضحل الأفكار؟! هل هو الشاب الفتوة.. صاحب الصوت العالي المدعي الثورية بغير سند أو مؤهلات العاري من الثقافات القادر علي تجميع الغوغاء تحت لوائه؟! أم أن هذا الشاب يجب أن تكون له مواصفات معروفة ومشهود له بها بين أفراد المجتمع الذي يعايشه ويعيش فيه؟ المنطق والعقل يقولان إن شابا يتم الدفع به لتحمل المسئولية يجب أن يكون متزن العقل غير متهور قارئا بعناية لتجارب الآخرين معتمدا علي رصيد ثقافي متنوع.. له رؤية مستقبلية مبنية علي أسس واقعية.. ملتصقا بمجتمعه غير منفصل عنه. يضع مصلحة المجموع نصب عينيه.. لا يستغل فورته الشبابية في الاستعلاء علي الآخرين. قادرا علي الحشد المعنوي والمادي لتحقيق أهداف التقدم والتطور التي تسعي إليها الشعوب. لقد لفت نظري خبر قرأته في صحيفة الأهرام أن شابا نمساويا يبلغ من العمر 27 عاما اسمه سباستيان كورس سيتولي منصب وزير خارجية النمسا في التشكيل الجديد للحكومة التي تقدمت بأوراق اعتمادها رسميا إلي الرئيس النمساوي هاينز فيشر. وقيل إن سباستيان يعتبر أصغر وزير للخارجية النمساوية.. وأقول: بل إنه ربما يكون أصغر وزير للخارجية في العالم. بل أصغر وزير مطلقا سواء للخارجية أو غيرها. وسباستيان هو زعيم أمانة الشباب في الحزب الشعبي النمسوي الحاكم.. والذي لا شك فيه أنه يتمتع بمواصفات عقلية وذهنية وثقافية وسياسية خاصة أهلته لهذا المنصب. بعض الشباب يكون لديهم استعداد فطري للتميز منذ الطفولة فتبدأ مواهبهم في الظهور من المرحلة الابتدائية ثم بقية المراحل حتي الجامعة.. ولو فرضنا أن سباستيان تخرج من الجامعة في سن الحادية والعشرين مثلا. فلا شك أنه في خلال 6 سنوات ومن قبلها استطاع أن يعد نفسه لهذا المنصب. والذي لا شك فيه أيضا أن هذا الشاب الوزير سوف يستعين بمستشارين من ذوي الخبرة للقيام بمهامه علي أكمل وجه.. فالخبرة مطلوبة.. وهي موجودة لدي الشيوخ.. ولا يمكن لشعب أن يتقدم إلا بتواصل الأجيال.. الشباب يأخذ فرصته.. وأصحاب الخبرة هم المعين الذي يرتكز عليه لتحقق غايته.. فمتي نجد في مصر وزيرا للخارجية أو لأي وزارة في سن السابعة والعشرين؟!