كنت في مكتبي بجريدة "المساء". مع زملائي نضع اللمسات الأخيرة للصفحات الرياضية الصادرة في اليوم التالي.. عندما جاءنا الخبر الصاعق: الحاج عبدالفضيل مات.. توقف القلم عن الحركة. وتوقف معه نبضنا جميعاً.. ونظرت إلي مكتبه ومقعده في المقابل لي مباشرة. ورحت معه في العالم الآخر للحظات.. أين أنت يا حاج عبدالفضيل. وإيه أخبارك. ويرد عليَّ بصوته الخفيض الذي لازمه في الشهور الأخيرة. بعد أن ازدادت عليه قسوة المرض: أنا بخير وكويس.. أنتم عاملين إيه؟ اعادتني صدمة الخبر القاسي مرة أخري سريعاً إلي مقعدي في القسم الرياضي. لأنظر حولي فأجد كل زملائي علي نفس الحال.. صدمة فراق الأخ والوالد والصديق والرفيق والمعلم.. فقد كان عبدالفضيل طه هو الملهم في هذا القسم الذي صنعه وأسسه وحمل رايته بعد الراحلين العملاقين حمدي النحاس وفاروق يوسف.. كان قلبه يحتوي الجميع. وثقافته منارة للجميع. وضحكته مسرة للجميع.. صنع مدرسة خاصة جداً في النقد الرياضي تجمع بين التخصص الرياضي والثقافة العامة.. كان رحمه الله شخصية متعددة المواهب والثقافات. ويملك علاقات شخصية مع نصف مصر في خلال نصف قرن مضي. علاقات في كل المجالات. عاشق للزمالك ومغرم بالأهلي.. وأظن أن مقاهي مصر سوف تعلن الحداد الرسمي بين روادها. خاصة القدامي منهم الذين يعرفون عبدالفضيل في كل مقاهي القاهرة.. فقد كان يجوبها جميعاً علي مدار اليوم ويكتب مقالاته الملتهبة علي طاولتها الصغيرة قبل أن يصعد إلي مكتبه في "المساء" ليبدأ سهرته التي قد تمتد حتي الفجر.. ثم تجده في صباح اليوم التالي. أول الحاضرين. لم يكن عبدالفضيل طه يعترف بالفوارق السنية أو الطبقية.. فهو صديق للجميع. وحنون جداً علي الجميع.. لذلك جاء فراقه صدمة للجميع. مثلما هو صدمة لأسرته. خاصة السيدة الفاضلة زوجته. التي كانت وبحق رفيقة درب طويل جداً. والتي أشعر الآن بعظم صدمتها في فراق الحبيب الغالي "عبده". كما كانت تناديه. أخي الأكبر عبدالفضيل.. أدعو لك من قلبي. وكل زملائك وتلاميذك ومن عملوا معك بالعفو والمغفرة وجنات الخلد بإذن الله تعالي.. فأنت لم تعرف أبداً سوي الخير. ولم يكن الشر يطرق بابك. ولا يستطيع.. وداعاً يا أخي. وإلي لقاء قريب.