الدعوة التي أطلقها ائتلاف أقباط مصر لسن قانون خاص لوأد الفتنة الطائفية والقضاء علي حوادثها المتعددة وآخرها ما حدث في قري الحوارته ونزلة عبيد ونزلة البدرمان بالمنيا والتي أسفرت عن مقتل 5 أشخاص واصابة 24 شخصاً هل هو السبيل لمواجهة هذه القضية الخطيرة التي تهدد كيان الوطن؟ "المساء الأسبوعية" طرحت القضية علي عدد من الشخصيات الاسلامية والمسيحية فأكدوا ان القانون وحده لا يكفي لوأد الفتنة وموتها موتاً نهائياً فنحن نحتاج أولاً نشر ثقافة الاختلاف وقبول الآخر. قالوا ان التشريعات رغم أهميتها القصوي في الردع الا أنها في النهاية حلول جزئية لا تستأصل الجريمة وأننا في حاجة إلي ايمان وتنشئة لدي كل أفراد الشعب بأهمية المساواة بين الجميع وسرعة العقاب من خلال القوانين القائمة لمن يرتكب جرماً. أضافوا أن هناك حلولاً عديدة للظاهرة يأتي علي رأسها تجربة بيت العائلة التي تعتبر من النماذج المثلي في هذا المجال وضرورة تطبيق نموذج الدولة المدنية التي تمثل طوق النجاة. تساءلوا أين دور الأزهر والكنيسة والدعاه التابعين لهما في تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تفشت في المجتمع وترفض الآخر وتسيء إليه. * فادي يوسف- رئيس ائتلاف أقباط مصر يشرح الاسباب وراء دعوته قائلاً أن مشاكل الفتنة الطائفية تحاصرنا منذ ما يقرب من 60 عاماً وتفاقمت في حالات كثيرة مثل أحداث الزاوية الحمراء والكشح وماسبيرو وصول وما أعقبها من حوادث وأخيراً قري المنيا المشتعلة دائماً بالمشاكل ومن هنا فنحن في حاجة ماسة إلي قانون حازم وصارم لوقف الفتنة وضمان وأدها وموتها إلي غير رجعة. أضاف أن الائتلاف الذي يضم بين مؤسسيه العديد من الشخصيات الاسلامية والمسيحية يري يري ضرورة ان يكون هناك قانون خاص بمواجهة الفتنة الطائفية فنحن حتي الآن لا يوجد لدينا قانون محدد في هذا المجال- صحيح أنه يوجد لدينا قوانين خاصة بالنزاعات والاعتداءات بصفة عامة لكنها لا تكفي من وجهة نظرنا كما أن النصوص التي تضمنها الدستور الجديد رغم وجاهتها وأهميتها ليست كافية بل لابد من ان تكون هناك قوانين تفسرها وتفعلها علي أرض الواقع. أوضح ان القانون بصفة عامة سوف يتضمن بنوداً تلتزم باحترام الآخر والمحاكمات العادلة والسريعة سواء للمحرضين أو الجناة في جرائم الفتنة الطائفية وتشديد العقوبة في هذا المجال والتأكيد علي عدم التعدي علي دور العبادة سواء الكنيسة أو المسجد وتكريس مبدأ المساواة بين المصريين وعدم التفرقة بينهم لأي سبب من الأسباب فلا يمكن مثلاً ان تغلق كنيسة ما بحجة وجود دواعي أمنية فمن حقنا في هذه الحال ان نتساءل وأين دور الزجهزة الشرطية في فرض السيطرة المطلوبة وضمان تأدية كل طرف لشعائره الدينية. أشار إلي ان اللجنة القانونية بالائتلاف سوف تعقد قريباً مجموعة من الاجتماعات المكثفة لصياغة بنود القانون المقترح صياغة قانونية منضبطة تمهيداً لتقديمها إلي الجهة المنوط بها اصدار القانون وفي هذا التوقيت هو رئيس الجمهورية بحكم أنه لا يوجد لدينا حتي الآن مجلس تشريعي يقوم بمهمة التشريع. أكد أن الائتلاف لا ينكر أهمية وجود ثقافة تدعو إلي احترام الآخر وتنشئة الأجيال علي هذا الأمر ولكن هذا سوف يستغرق وقتاً طويلاً ولن يتحقق بين يوم وليلة ومن ثم ليس أمامنا حتي يتحقق ذلك سوي الاعتماد علي القانون لمواجهة الفتنة الطائفية. عقوبات صارمة * القس أندريه زكي- نائب رئيس الطائفة الانجيلية يري أن مثل هذه المشاكل لا يمكن أن تعالج بالقوانين وحدها فأي تشريع ما قد يحل جزئية أو جانب من المشكلة ولكنه لا يقضي عليها تماماً ولا يضمن عدم تكرارها مرات ومرات بدليل أن لدينا قوانين تجرم السرقة أو القتل وتضع عقوبات صارمة لمن يرتكب هذا الجرم ورغم ذلك المجتمع لا يخلو من حوادث السرقة والقتل يومياً مع اعترافنا ان العقاب قد يكون رادعا ولكنه لا يضمن استئصال المشكلة من جذورها. أضاف ان أي قوانين مهما أجدنا في صياغتها وتم تضمينها الكثير من العقوبات لن تضمن لنا احترام الآخر ومن أن يخالف القانون لن يعدم الوسيلة فهذا سلوك يجب ان يزرع في شخصية المصري سواء المسلم أو المسيحي وذلك من خلال التنشئة الصحيحة وهنا يجب اعادة النظر في المناهج الدراسية لتقوم بهذا الدور وكذلك وسائل الاعلام التي يتلقي منها غالبية أفراد المجتمع ثقافتهم بحيث تكون البرامج داعية لاحترام خضوصية الآخر وعدم الاساءة اليه بأي شكل من الأشكال. تطرق الي نقطة مهمة أخري في المواجهة لمثل هذه الظواهر تتمثل في اقامة تنمية حقيقية في المجتمع حيث أنه من الملاحظ ان معظم حوادث الفتنة الطائفية تقع في مجتمعات تعاني الفقر والتخلف وتدني المستوي الثقافي والاقتصادي ومن ثم تشيع مفاهيم الجهل التي تعزز من عدم قبول الآخر بل وفي بعض الاحيان تحض علي كراهيته والنيل منه. أكد أنه يتفاءل خيراً بالدستور الذي تم الانتهاء منه مؤخراً حيث أنه يمثل مشروعاً تقدمياً جيداً سوف يساهم بشكل ايجابي في استقرار مصر وفي استقرار العلاقات بين المسلمين والمسيحيين حيث أنه يرسخ مبدأ المواطنة بين الجميع وينبذ التفرقة ويتبقي فقط ان يلتزم الجميع بهذا الأمر وألا يكون هناك اهمال في عقاب من يتورط في مثل هذه الحوادث مع اعادة بناء الثقافة المدنية لتصحيح فكر العديد من الأجيال التي نشأت علي عدم القدرة علي التعامل والتعايش مع الآخر وتوقف خطاب الكراهية والتحريض بين الطرفين. * مارجيت عازر- أمين عام حزب المصريين الأحرار أكدت أن الطريق لوأد الفتنة الطائفية واضح لا لبس فيه وليس له من سبيل سوي تفعيل القوانين الموجودة واقامة دولة مدنية حقيقية تحترم وتساوي بين جميع أفراد المجتمع وهذا لن يكون إلا بتحمل كل مخطيء لمسئوليته عند ارتكاب جرم ما دون تفرقة بسبب الجنس أو الدين فهذا في رأيي طوق النجاة وبدونه لن تجدي المشاعر الطيبة وكلمات المواساة من هنا أو هناك لمواجهة خطر الفتنة. القت بجزء كبير من مسئولية ما يحدث من جرائم تتعلق بالفتنة الطائفية علي بعض دعاة الفتنة الذين يطلون علينا من بعض القنوات الفضائية يؤججون مشاعر العداء المتبادلة باصدار فتاوي وكلمات لا تنتمي لأي ديانة بأي حال من الأحوال.. كذلك غياب الاحكام الرادعة التي تعاقب المعتدين بغض النظر عن الديانة مما ساهم في انتشار الجرائم الطائفية. طالبت بتنقية القوانين الموجودة والتي يكرس بعضها للتميز فهي أخطر عنصر يمكن ان يساهم في تصعيد الأزمات والخلافات. أشارت إلي ضرورة الابتعاد عن الحلول الجزئية للمشكلة ومحاولة اغلاق الموضوعات دون اصلاح حقيقي لجذور المشكلة فجلسات الصلح وتبادل الكلمات الرقيقة لن يفيد بل علي العكس سيعطي الفرصة لمن يريدون الصيد في الماء العكر طالما ان الأمر ينتهي بجلسة صلح ومن ثم علينا ان نواجه هؤلاء بالحزم في تطبيق القانون دون أي مساومة أو تباطؤ لأن الأمر يتعلق بمستقبل الوطن. * د. حامد أبوطالب- عضو المجلس الأعلي للشئون الاسلامية والعميد السابق لكلية الشريعة والقانون قال ما يحدث بين الحين والآخر من احتكاكات ومشكلات بين مسلمين وأقباط هو في الحقيقة أمر يمكن ان يحدث بين مسلمين ومسلمين أو أقباط وأقباط في أي مجتمع من المجتمعات ولكن المشكلة تتمثل في صيغ هذه الحوادث بصبغة دينية ووصفها بأنها فتنة طائفية وهذا بالتأكيد غير حقيقي فالنزاعات التي وقعت في المنيا مؤخراً بدأت بخلاف حول قطعة أرض من أملاك الدولة ويريد أحد الأخوة الاقباط ان يضع يده عليها بينما هي مجاورة لأملاك شخص مسلم فحدث النزاع الدموي الذي نشجبه جميعاً. أوضح ان علاج مثل هذه المشاكل علاجاً ناجعاً سواء علي المدي القريب أو البعيد يتطلب نشر ثقافة الاختلاف في المجتمع وذلك ان المسلمين يعلمون ان الاختلاف بين الناس أمر وارد فلو شاء الله سبحانه وتعالي لجعل الناس أمة واحدة. ومن هنا علينا ان نتقبل الآخر والاختلاف معه وعلي وسائل الاعلام والدعاة من المسلمين والمسيحيين نشر ثقافة الاختلاف وحب الاخر حتي ولو كان يخالفني في رأيي وديني واتجاهي فهو في النهاية ليس عدوا لي ولكن هذا تفكيره وهذا شأنه. أكد أن النموذج الأمثل لمواجهة مثل هذه الظواهر هو الاقتداء بما فعله بيت العائلة الذي يعقد دورات شهرية تجمع بين الدعاة من المسلمين والمسيحيين وتلقين هؤلاء أحكام الاختلاف وفوائده ويحضر الدورة الواحدة ما يقرب من 100 داعية مسلم ومسيحي يكونون في النهاية قدوة للمجتمع لأن الامام أو الواعظ أو القسيس أكثر تأثيراً في الآخرين ومن ثم يصبح لدينا ثقافة وايمان يتجاوز هذه التفاهات وتمنع النفخ في النار حتي تشتعل وتحرق المجتمع. إيمان داخلي * د. فريد منصور- الاستاذ بجامعة الأزهر يري أن ناموس الحياة وانضباط أمورها لا يتحققان فقط بالقوانين والتشريعات رغم أهميتها الفائقة ولكن يتكامل معهما ثقافة المواطن وايمانه الداخلي بالمشاركة في الوطن وحق كل فرد من أفراده في المساواة وعدم التفرقة. أضاف ان الدين الاسلامي شديد الحرص علي حماية الآخر واحترام خصوصيته وكذلك الدين المسيحي ومن ثم يجب ان يلعب الأزهر والكنيسة دوراً أكبر في ترسيخ مفهوم المواطنة والتأكيد علي أواصر التعاون والوئام بين عنصري الأمة فأغلبية الدعاه من الطرفين ينتميان إلي هاتين المؤسستين ومن ثم عليها ان يلعبا دوراً أكثر ايجابية في هذا المجال. أكد ان الخطاب الديني يجب ان يراعي ما في المجتمع من مشكلات وقضايا ويتعرض في خطبه وحواراته للمواطنين بشرط ان يؤمن هو أولاً بضرورة التوحد والتماسك لأن البديل هو وقوع الخطر علي الجميع فالمسلم والمسيحي شركاء في الوطن وأي مخاطر لن تفرق بينهما بل ستصيب الكل.