كل شيء في هذا العالم هو من صنع الإنسان.. وكل شيء هو دائم التغير والاختلاف بتغيير واختلاف زاوية النظر إليه! والثقافة. من وجهة نظر الكثيرين. هي صناعة بشرية. وهي معني يشمل كل الخبرات والمعارف والتجارب والمنجزات البشرية.. صغيرها وكبيرها.. عظيمها وحقيرها.. ما هو ملموس بالحواس أو مدرك بالعقل من أفكار وتصورات. قد نتفق حولها أو نختلف باختلاف تجاربنا وخلفياتنا. وإلا لما نشأ الصراع بين البشر..!! ومحنتنا الثقافية تكمن أساساً في مثقفينا. أو فيمن يدعون الثقافة.. فالبعض منهم. وإن كثر. يري أو يدعي أنه يملك الحقيقة المطلقة. وأن ما عدا ذلك هو باطل وهراء ويجب محوه من الوجود.. أو أنه لا وجود له من الأساس! وقد اتيح لي حضور مؤتمر "الثقافة المصرية والمستقبل". الذي عقد منذ أيام بمحافظة الفيوم. ونظمه إقليم القاهرة الكبري. وشمال الصعيد الثقافي.. والحقيقة ان عنوان المؤتمر يحمل معني كبيراً. محيطاً وشاملاً.. لكن حجم المشاركين فيه وتنوعهم لم يكن بالقدر الملائم لمؤتمر بمثل هذا الحجم. وبتلك الخطورة. إذ انه يتناول الثقافة المصرية بكل غزارتها وتنوعها وثرائها وتعدد روافدها.. وما ينتظر هذه الثقافة في المستقبل أو ما ينتظره المستقبل منها!! ولقد اقتصرت قائمة المتحدثين في الجلسات علي قلة محدودة - وإن شئت قل ندرة - ممن يمكن وصفهم ب "المفكرين" أصحاب الرؤي الثقافية بمعناها الواسع والشامل.. أما الغالبية فقد كانوا من "المشاهير" في عالم الشعر والرواية والذين يعرفون أقصر الطرق إلي المهرجانات والمؤتمرات ووسائل الاعلام..!! مؤتمر كهذا.. كان لابد أن يضم نخبة من أصحاب الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي والاستراتيجي وعلماء المستقبليات ومتخصصين في مختلف فروع العلم والثقافة. سواء في العلوم الإنسانية أو التجريبية. لكن ما حدث.. ان غالبية المتحدثين كانوا ممن يجيدون نظم القصائد أو حبك الروايات. دون بقية ألوان الطيف الثقافي والذين لا غني عنهم في وضع الرؤية المستقبلية للثقافة المصرية بمفهومها الشامل الذي لا يقتصر علي الشعر والرواية. وعلي الرغم من أهمية المؤتمر - من ناحية المسمي أو العنوان - وبصرف النظر عن الملاحظات السابقة. فقد قال لي أحد الحضور إن الموجودين هم أنفسهم ضيوف كل المؤتمرات التي تعقدها هيئة قصور الثقافة.. الأمر الذي يعني أن المجموعة نفسها تحضر للتحدث معه نفسها في كل مرة.. ولا جديد! كان الأولي - من وجهة نظري - أن يكون المتحدثون من غير المشاركين في المؤتمرات السابقة.. وأن يتم دعوة شريحة متنوعة الاختصاصات متعددة الاهتمامات بدلاً ممن تتم دعوتهم في كل مرة.. كما كان الأوجب أن يتم التطرق إلي القضايا المستقبلية المحتملة والتي يمكن أن تواجهنا. وطرح السيناريوهات المختلفة أمام وزارة الثقافة. حتي تقوم بدورها في مواجهة هذه القضايا والتحديات. الأمر الذي لا يقل أهمية في مؤتمر مثل هذا.. انه كان يجب مخاطبة جميع المدارس الثانوية في الاقليم لكي ترشح المدرسة طالبا أو اثنين علي الأقل للحضور. باعتبار أن الهدف هو "المستقبل" الذي تمثله الأجيال القادمة. والذي يجب إحاطتها بقضاياه وتحدياته المحتملة. حتي تكون مسلحة بالوعي والإدراك ومشحونة بالإرادة لتشكيله وصياغته. ولعل ما ذكره الناقد ربيع مفتاح في بحثه حول ضرورة وصول الثقافة بكل عناصرها إلي كل الجماهير يمثل محوراً مهماً من محاور العمل الثقافي اللازم لتحقيق التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي "بعيداً عن المفهوم النخبوي. بحيث ينتج عن ذلك نوع من التجانس الثقافي الذي يكون سبيلاً للتقدم والتحديث والتحضر ومن شأنه مقاومة التطرف والتعصب والقبلية". وإذا عدنا إلي نتائج المؤتمر.. نجد أنه ينطبق عليه المثل القائل: "تمخض الجبل فولد فأراً"..!! وباستثناء التوصية الخاصة ب "الإسراع في تنفيذ خارطة المستقبل والعودة إلي الحياة الدستورية سريعاً والانتهاء من المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية معاً".. وكذلك التوصية "بإعادة النظر في قانون التظاهر الجديد وأن تكون المظاهرات بمجرد الإخطار لجهة قضائية بديلاً عن وزارة الداخلية" وهما توصيتان فرضهما الظرف الراهن. نجد أن بقية التوصيات تقليدية ومكررة..!! ولا يفوتني الإشارة إلي خلو المؤتمر من ورش العمل التي لا غني عنها في أي مؤتمر .. وكذلك لا أود الخوض في سلوكيات وتصرفات بعض المتحدثين والمدعوين للحضور.. وما دون ذلك من مظاهر لا تليق بمن يقال إنهم ينتمون إلي جماعة المثقفين..!! ** أفكار مضغوطة: عندما نتكلم فكلنا أصحاب مباديء.. وعندما نعمل فكلنا أصحاب مصالح..!! "أنيس منصور"