عندما يكون هناك حديث عن الحريات وحقوق الإنسان. ينصرف الذهن مباشرة إلي الغرب وفي المقدمة منه الولاياتالمتحدةالأمريكية. باعتبارها مهد الحريات وقلعة حقوق الإنسان بحسب ما تسوقه لنا الدعاية الأمريكية وغير الأمريكية وبحسب ما يعتقد الكثيرون خاصة من يسعون للحصول علي الجنسية الأمريكية أملاً في التمتع بهذه الحريات والحقوق التي لا يجدونها في بلادهم. لكن يبدو ان السمع شيء والواقع شيء آخر. فليس كل ما يقال يكون هو الحقيقة الكاملة. وثوب الحريات وحقوق الإنسان الأمريكي لم يخل من البقع السوداء ولاسيما خلال العقدين الماضيين اللذين شهدا حروب العراق وأفغانستان وسجون أبو غريب وجواتيمالا. والبقع الجديدة التي كشفها بشكل سافر العميل السابق لوكالة الأمن القومي الأمريكي NSA "ادوارد سنودن" الذي سرب إلي صحف أمريكية وانجليزية تقارير حول قيام الوكالة بعمليات تجسس علي السفارات الأجنبية بواشنطن وعلي عدد من رؤساء الدول بل امتدت عمليات التجسس إلي الأمريكيين أنفسهم حيث تتجسس الوكالة وفق آليات منتظمة علي اتصالاتهم التليفونية وعلي حساباتهم علي شبكة الإنترنت سواء التي تدخل البلاد أو تخرج منها. وأثناء تواجدي في واشنطن دعت منظمات المجتمع المدني إلي مظاهرة حاشدة أمام الكونجرس الأمريكي للمطالبة بالتحقيق في فضيحة التجسس. وربما دفعني الفضول الشخصي والمهني للمشاركة في المظاهرة. كلمات وخطب كثيرة ألقاها ممثلو الجهات المشاركة في المظاهرة. وأفراد عاديون اندفعوا للحديث يعبرون عن خيبة أملهم في بلدهم. وسالت دموع إحدي الشابات الأمريكيات وهي تردد: "أريد استعادة بلدي. أمريكا مهد الحريات وحقوق الإنسان". الغريب انه بينما يستنكر الأمريكان أنفسهم بشدة فضيحة التجسس وصمت البيت الأبيض وتستره عليها. يبرر بعض "المتأمركين" الساعين للحصول علي الجنسية. فعلة الإدارة الأمريكية معللين ذلك بالمخاطر التي تستهدف أمن الولاياتالمتحدة وقال لي أحدهم بقناعة مفتعلة: "لابد أن تحمي أمريكا نفسها. والسلطات عادة لا تستخدم هذه التسجيلات إلا في حالة الشك في شخص ما فيدخلون علي تسجيلاته الجاهزة لديهم والتي تتم بشكل آلي ويتم تفريغها وقت اللزوم!! الكثير من الدول النامية وبلدان العالم الثالث لا تتمتع بنفس سمعة أمريكا في الحريات وحقوق الإنسان إلا أن عمليات التجسس الواسعة النطاق علي غرار ما يحدث في أمريكا أمر مستبعد في الكثير من هذه البلدان ومن بينها مصر. وقد لا يرجع ذلك إلي أخلاقيات نبيلة تتحلي بها أنظمة الحكم في هذه البلدان. بقدر ما يعود إلي الفارق التكنولوجي الشاسع بيننا وبين أمريكا. في مصر. وكالعادة استقبلت مواقع التواصل الاجتماعي الفضيحة الأمريكية بالتهكم والنكات خفيفة الظل ولعل أكثرها طرافة ذلك الرسم الكاريكاتوري الذي يصور الرئيس الأمريكي أوباما في إحدي المدارس الأمريكية وأمامه طفل يقول له: "بابا اخبرنا انك تتجسس علينا" فرد أوباما مبتسماً: "هذا ليس والدك" في إشارة إلي أن آليات التجسس الأمريكية قد تصل إلي حجرات النوم!!