من يشاهد الفيلم التسجيلي "أزمة السويس" الذي انتجته القناة الرابعة البريطانية يدرك علي الفور كيف يعيد التاريخ نفسه.. كيف استطاع زعيم عربي يمثل قوة وإرادة وولاء وبصيرة عبدالناصر أن يهز عرش بريطانيا العظمي ويفرض سيطرة "الامبراطورية" في الشرق الأوسط.. يدرك أيضا وهذا هو الاهم أننا نعيش حاليا نفس الحكايات الاستعمارية القديمة بنفس الاهداف مع تطور الوسائل. عندما تواطأت إسرائيل وبريطانيا وفرنسا ضد مصر وزعيمها عبدالناصر بعد تأميم قناة السويس 26 يوليه 1956 قررت هذه الدول الثلاث أن تشن الحرب علي مصر عام ..1956 لكل واحدة من هذه الدول هدف محدد.. إسرائيل تريد تدمير الجيش المصري في سيناء. وبريطانيا تسعي لاغتيال عبدالناصر سياسيا ومعنويا وماديا وإفشاله حتي تسترد القناة وفرنسا إلي جانب هذه الأهداف تريد أن تشل يد النظام المصري بقيادة عبدالناصر حتي يتوقف عن مساعدة الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي. الاهداف الثلاثة تلتقي في هدف واحد شامل الا وهو إعاقة مصر كدولة مركزية بالغة الاهمية عن تحقيق أي تطور أو نمو اجتماعي واقتصادي أو عسكري إلخ. الفيلم يعتمد علي لقاءات عديدة ومعلومات وأحداث ووقائع تاريخية وجميعها ضمن الوثائق التي أفرج عنها مؤخرا واصبحت متاحة نسبيا واعتقد إن لم اكن مخطئة أن هذا الشريط الوثائقي شديد الأهمية تم عرضه في إحدي القنوات المصرية وعلي أي حال الشريط متاح لمن يريد أن يشاهده علي الانترنت إلي جانب العديد من الشرائط الاخري التي تتناول "أزمة السويس" أو العدوان الثلاثي علي مصر 29 اكتوبر 7 ديسمبر والانجاز البطولي الذي حققه الشعب المصري بزعامة عبدالناصر حين قبل التحدي وقام بتأميم القناة واسناد إدارتها إلي المصريين. الفيلم البريطاني 2012 يزيح الستار بوضوح عن هذا الدور الوطني التاريخي الذي لعبه عبدالناصر. وعن أدوار المرشدين المصريين عندما واجهوا المسئولية الجسيمة التي فوجئوا بها بعد تأميم القناة وتحريرها من السيطرة الغربية واعتقد ان جانبا كبيرا من هذه الوثائق تناوله فيلم "ناصر 56" إخراج محمد فاضل ولكن أهمية الفيلم البريطاني اننا أمام وثائق حية مصورة وكاشفة ومذهلة أيضا وبشهادة غربية دامغة.. يتضمن الفيلم أيضا عددا من الشهادات التاريخية الموثقة من قبل أساتذة تاريخ أرخوا لهذه الفترة وتداعياتها في كتب منشورة ومتاحة ومن المؤكد أن كثيرا من السياسيين المصريين المهتمين قد حصلوا عليها. من هؤلاء المؤرخين الذين ظهروا في الفيلم المؤرخ سكوت لوكامبل استاذ الدراسات الأمريكية والمتخصص في السياسة الخارجية البريطانية من جامعة برمنجهام. الفيلم يصور حجم الدمار الذي أصاب مدن القناة وإعداد القتلي. ولكنه يصور من جانب آخر مدي قوة الشعب المصري الذي فوجئ بها انطوني ايدن رئيس وزراء بريطانيا الذي لم يكن يتوقع أبدا هذا الفوقان الشعبي الهادر الذي أبطل كالعادة مؤامرات واسلحة الدول الغربية الاستعمارية التي مازالت تتربص بالشعوب المصرة علي أن تعيش حرة الارادة وكريمة علي أرضها.. يكشف المؤرخ أيضا كيف هددت حرب السويس التحالف بين بريطانيا وأمريكا.. وانهت عمليا حياة انطوني ايدن كسياسي حيث استقال ولم يعد ثانية إلي مسرح السياسة في المملكة المتحدة. حظيت "أزمة السويس" كما يشار اليها في الكتب والدراسات الغربية التي ارخت لهذه الحرب وتداعياتها باهتمام مكثف من قبل المؤرخين وها نحن نتابع الدور التاريخي "للكاميرا" وللسينما التسجيلية التي لعبت ادوارا لا يستهان بها في تسجيل الاحداث الكبيرة في حياة الشعوب. فيلم "أزمة السويس" يكشف بقوة عن الاهمية البالغة للوثائق وللشرائط التسجيلية الحية. واللقاءات المباشرة مع زعماء القوي التي لعبت دورا في تنفيذ السياسات الاستعمارية وثورات الشعوب التي أحبطت هذه السياسات مثل الشعب المصري الذي مازال يواصل كفاحه ضد كل من يتربص بأمنه وتاريخه. وما يحاك لمصر الآن من قبل نفس القوي الاستعمارية الصهيونية يعاد إنتاجه وبدعم أمريكي ضد مصر. الفارق المؤلم أن المصريين أصبح بينهم فصيل شارد. مضلل. ومعادي. ومتواطئ. مع هذه القوي وهو الأمر الذي يضيف إلي التحديات التي يواجهها الشعب المصري المزيد من التحديات.