حين نتصفح تاريخ رجال الأمة الإسلامية خاصة في عهد أمير المؤمنين أبو حفص عمر رضي الله عنه نجد الكثير من المواقف المشرفة. والانجازات التي حققها هؤلاء الذين أضاءوا الطريق لكل من جاء بعدهم. نذروا أنفسهم من أجل بناء الأمة وتأمين حدودها. وتشييد صروح الحضارة التي لاتزال حتي القرن الحادي والعشرين شاهدة علي التفاني وبذل الأرواح رخيصة لكي تتمتع مدن المجتمع الإسلامي بالأمن والاستقرار. تركوا بطولات تؤكد قوة الإيمان في صدور هؤلاء الرجال. وترسخت العقيدة في قلوب فاستعذبوا المهام الصعبة.. ورحبوا بالموت دون مبالاة. لقد استطاع هؤلاء الأبطال خوض المعارك غير هيابين بالموت وكان الواحد منهم يتمني الشهادة لتنهض الأمة ويرتقي المجتمع. وتسعد البلدان التي افتتحها المسلمون. وكذلك حماية الأمة من أخطار الذين وقفوا في طريق المد الإسلامي. بعد وفاة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وارتدوا عن الإسلام. وقاموا بمنع اخراج الزكاة وقد أثبت هؤلاء الأبطال انهم رجال الأمة بحق. تفانوا في اقتحام الصعاب واجتياز أخطر المهام. قهروا الخوف وبفضل هذه البطولات ارتفعت راية الأمة الإسلامية. وكانوا نماذج في تحقيق العدل وتطبيق سماحة الدين الحنيف. بالكلمة "الطيبة ونشر وسطيته.. واعتداله. هذا الأسلوب الإنساني في التعامل مع الآخرين أدي إلي جذبهم وانضمامهم لساحة الأمة الإسلامية. وأن الدول التي لم يمتد إليها الفتح انطلق ترحيبهم بالمسلمين لفتح بلادهم لكي ينعموا في ظلالهم بالحرية والعدالة وحمايتهم من طغيان القوي التي تحكمهم. ندخل سريعا إلي ساحة الرجال نتصفح تاريخهم لنتعرف علي هؤلاء القدوة لعل أجيال هذه الأيام تستلهم هذه السلوكيات في كل تعاملاتهم مع المشاكل التي نتعرض لها. وليت هؤلاء الشباب من الجنسين يتخذون هذه النماذج في الصبر والسماحة وسعة الصدر وتحمل المشاق حتي نتخطي هذه المرحلة الصعبة بكفاءة واقتدار. من هؤلاء الأبطال عبدالله بن حذافة وكنيته أبي حذيفة هذا الرجل قد أسر مع بعض المسلمين في فتح مدينة "قيسارية" وقد اقتاده جنود ملك الفرس إلي مجلس الملك مكبلاً بالحديد وجري بين الاثنين حواراً كالتالي: ملك الفرس: تنصر "يعني ارتد عن الإسلام" وأنا أشركك في ملكي؟ أبو حذيفة نظر إليه في ازدراء رافضاً هذا العرض. استشاط ملك الفرس. وازدادت دهشته من هذا الرفض رغم أن أبي حذيفة مكبلاً بالسلاسل والحديد. طلب من قواته أن يصلبوه ويتم رميه بالسهام حتي يلقي مصرعه بأبشع الوسائل. تلقي "أبي حذيفة" بالثبات ثم صلبه مع الاستعداد لرميه بالسهام. وفي خداع من الملك طلب من قواته أن يرهبوه فقط بحيث تتساقط السهام حوله لعل الخوف يتسرب إلي صدره. لكن خاب ظنه وتهاوت خطته. ولم يتوقف الطاغية عن أسلوبه السيئ فازداد في إرهابه بأن هدده بإلقائه في إناء كبير يغلي بالزيت حتي يتحول إلي كتلة من العظام ومزيداً في إرهابه أمر بإلقاء أحد المسلمين الأسر في هذا الإناء وفي ثوان معدودة تحول إلي عظام تناثر عنها اللحم. رغم ذلك لم يفتر "أبي حذيفة" ولم تضعف عزيمته وزاد صلابة وفشلت كل خططه. في لحظة خاطفة قرر الطاغية إلقاءه في الاناء الذي يغلي بالزيت حيث كانوا يطلقون عليه "بطن البقرة" وأمام هذا القرار أخذ "أبي حذيفة" يبكي بشدة فسأله لماذا تبكي؟ فأجاب: لم أبك خوفاً مما تنوي. وانما أبكي لأنه ليس لي سوي نفس واحدة. وكنت أحب أن يكون لي من الأنفس عدد كل شعرة في جسمي. ثم تفعل ما تريد. أمام هذه البطولة.. وفشل كل المحاولات.. عرض الطاغية أن يزوجه ابنته ويتقاسم معه ثروته وملكه فأصر علي الرفض وهنا عرض عليه أن يقبل رأسه وبعد ذلك يتم الافراج عن ثمانين أسيراً وهنا استجاب "أبي حذيفة" وعند عودة أبي حذيفة للمدينة المنورة عايره البعض بأنه قبّل رأس فارس وقد كانوا يعتبرون ذلك عيباً وعندما اشتكي لعمر ابن الخطاب من هذا التصرف قام أمير المؤمنين بتقبيل رأس أبي حذيفة.. وأطال الله عمر هذا البطل وشارك في فتح مصر.. وظل بها حتي وافته المنية وشاءت الأقدار أن يتم دفنه بها.. فهل يكون الرجل نبراساً لشبابنا لعلهم يستلهمون هذه البطولة في سلوكياتهم. النموذج الآخر "البراء بن مالك" رجل كان فارساً مندفعاً.. لدرجة أن عمر كان يحذر القادة من المسلمين قائلاً: "لا تستعملوا البراء بن مالك علي جيش من جيوش المسلمين فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم". هذا الرجل المقدام كان يحظي بحب وتقدير رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث قال: رب أشعث أغبر لو أقسم علي الله لأبره. منهم البراء بن مالك وقد أبلي بلاءا حسنا في حروب الردة حيث اقتحم "الحصن" الذي اختفي أتباع مسيلمة بداخله. حيث طلب من اخوانه الجنود أن يحملوه علي أكتافهم لإلقائه داخل الحصن وقد حقق نصراً لاتزال صفحات التاريخ تذكر الأجيال بهذه البطولة. في غمار المعركة التي كان يخوضها المسلمون في موقعة "تستر" كان للبراء دور رائد فقد حاصر المسلمون هذه المدينة وكان يخرج لمبارزة هؤلاء أحد الجنود المسلمين واستطاع البراء خلال حصار المدينة قتل مائة من رجال "يزدجرد" ملك الفرس. وحين طالت مدة الحصار تذكر القوات ان بينهم "البراء بن مالك" وهو مستجاب الدعوة فطلبوا منه أن يقسم علي ربه فاستجاب وقد حقق الله رجاءه وانتصر المسلمون وهزموا الفرس هزيمة منكرة. وفي هذه المعركة.. نال البراء الشهادة.. ولقي ربه عقب هزيمة خصوم المسلمين.. انه بحق نموذج لشباب مختلف جيال. "وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون".