حين استقر المقام بسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم في المدينةالمنورة بعد الهجرة من مكة وتوافد أعداد من المسلمين المهاجرين وقد دارت أحاديث وحوارات حول مقصد بعض هؤلاء المهاجرين والغرض من هذه الرحلة. وتتفاوت هذه الأغراض وفقاً لنوايا كل إنسان. والأكثر أهمية أن الله وحده هو الذي يعلم طوية كل إنسان ومقصده "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" "وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون" وقد ثار جدال حول نوايا وأغراض البعض. خاصة أن كل إنسان يبذل قصاري جهده لكي لا يطلع أحد علي مقصده. والله وحده هو الذي يحاسب كل امريء وفقاً لتلك النوايا. وقد حسم الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم الأمر بصورة قاطعة لا تقبل اللبس وعلي كل إنسان مسلم أن يحدد موقعه وفقاً لما انطوي عليه صدره. وليدرك أيضاً أن رب العالمين سوف يكون حسابه وفقاً لنيته وما تنطوي عليه سريرته. ففي السند المتصل عن أمير المؤمنين أبو حفص عمر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إنما الأعمال بالنيات.وأن لكل امريء مانوي فمن كانت هجرته لله ورسوله. فهجرته لله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلي ما هاجر إليه". علي ضوء هذا التحديد القاطع من رسول الله صلي الله عليه وسلم يتعين علي كل إنسان أن يختار أحد البدائل الثلاثة وفي ذات الوقت يدرك أن حساب رب العالمين سوف يكون وفقاً لسريرة الإنسان وصدق من قال: "وربك يعلم أخفي من السر" فاحذر. وكذلك أن يضع قول الشاعر نصب عينيه: ومهما تكن عند امريء من خليقة وإن خالها تخفي علي الناس تعلم ولذلك فمهما حاول الإنسان إخفاء تلك الصفة فالأيام سوف تكشفها لأن الأعمال تعتبر ترجمة للنوايا علي أرض الواقع. وسوف يتعرف الناس علي تلك الصفة ومهما تكن قوة الإنسان في إخفائها. فالنوايا تفضحها الأيام. ولذلك كانت نوايا المستضعفين من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم صادقة "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا" الكهف: ..28 عن سعد بن أبي وقاص: قال: كنا مع النبي صلي الله عليه وسلم ستة نفر. فقال المشركون للنبي: اطرد هؤلاء حتي لا يجترؤون علينا. قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسميهما. فوقع في نفس رسول الله صلي الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل : "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" إن هذه الآية تؤكد بكل صراحة أن نوايا هؤلاء كانت مناط الحكم عليهم وإبلاغ النبي صلي الله عليه وسلم بضرورة أن يظل مع هؤلاء أصحاب النوايا الحسنة. وأن تظل عينه متابعة لهم ولا تلتفت يا محمد إلي أصحاب النوايا السيئة. كل شيء بحساب وتقدير دقيق "وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفي" طه:.7 من الذين أخلصوا النوايا لله عز وجل رجل اسمه أبو قبيس. أسلم وحسن إسلامه. وقد أصابه التعب والأرق لأن الرسول هاجر إلي المدينةالمنورة بينما هو لا يزال بمكة. فعزم بنية صادقة علي أن يهاجر إلي المدينةالمنورة. وأنه لا يليق أن يكون بعيداً عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وعلي الفور طلب من أولاده إعداد راحلة لنقله إلي المدينةالمنورة ولم يخضع لأولاده في إثنائه عن تنفيذ رأيه. وقد فرح الرجل حين تم إعداد الراحلة وتضاعف سروره عندما انطلقت في طريقها إلي المدينةالمنورة لكن شاءت إرادة الله أن يتوفي الرجل وهو في الطريق وقد حكي القرآن هذه القصة في سورة النساء: "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسَََعَة ومن يخرج من بيته مهاجراً إلي الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره علي الله وكان الله غفوراً رحيماً" النساء: 100. فعلي الله كان أجر هذا الرجل وهكذا كل رجل مخلص صادق النية والعزيمة. وقد حذَّر الله أهل الشر والمنافقين من المكر والخداع "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم. ألا إن لله ما في السموات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم" النور: 63. .64 ولا شك أن تحذير الله لا يخفي علي أحد لكن المنافقين وأهل الشر من المكر والخداع "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" وقال سبحانه وتعالي: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولي سعي في الأرض يفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد" البقرة. "يخادعون الله وهو خادعهم" ويصدق في هؤلاء أصحاب النوايا السيئة الذين يبتلي الناس بهم وبأفعالهم التي ينقبون بها عن أولئك المؤمنين ذوي النية الطيبة وصدق في جانب هؤلاء ذوي النوايا الخبيثة قول الشاعر العربي: ومن الناس من تلقاه في زي عابد وللغدر في أحشائه عقرب تسري والله يراقب عباده ولله في خلقه شئون ولا حول ولا قوة إلا بالله.