حققت ثورة 25 يناير العديد من المكاسب للشعب المصري والتي استطاع من خلالها الشباب تغيير خريطة التاريخ وأثبتوا للعالم أنهم علي وعي بشئون وطنهم وكانت النتيجة أن حقق الله لهم الكثير مما كانوا يتمنونه وبذلك حفروا اسماءهم في سجلات التاريخ بأحرف من نور. السؤال.. كيف نستغل الثورة في القضاء علي المفسدين لإصلاح الأمة.. وكيف حارب الرسول صلي الله عليه وسلم الفساد وما هي العقوبة التي توعد بها النبي الفاسدين الذين تحايلوا للتكسب بغير حق. أكد د. علي جمعة مفتي الجمهورية أن ثورة الشباب جعلت الشعب يتوحد علي كلمة سواء وانطلقت مساعينا نحو إعادة بناء ما تهدم واستعادة الروح الحية للحياة والمقبلة عليها... أضاف المفتي أنه يجب علي الأمة استخلاص الدليل والمنهج والأسوة من رسول الله صلي الله عليه وسلم للاستفادة منها في حياتنا المعاصرة حيث كان ميلاده ثورة علي ظلم الجاهلية وظلامها.. وكانت بعثته مبعث تغيير لأركان العقائد الفاسدة والمناهج الكاسدة.. وكانت نبوته مفتتح حياة في الجهاد والعمل والتحرر من رقبة الاستبداد والاستعباد. وهجرته كانت نقلة حضارية لبناء دولة المساواة والإخاء وإرساء دستور المدينة الفاضلة الحقيقية.. تلك الدولة التي قامت علي بسالة شباب صحابته وجسارتهم وصمودهم فحري بنا أن نتخذ من سيرته العطرة منارة لمستقبل تعمه العدالة واحترام الحقوق والحريات الإنسانية ويسوده الرخاء والتماسك. طالب المفتي المصريين كافة شبابا وعلمائا وعمالا ومثقفين وفلاحين بالتمسك والتسلح بالوحدة والاتحاد والثقة في هذه المرحلة من تاريخ الوطن وهم ماضون علي طريق هذه النهضة المنشودة من أجل استكمال أركان المجتمع الجديد والمتطور الذي يحقق مصالح وتطلعات جميع أبنائه في حاضرهم ومستقبلهم ومواصلة وضع وتنفيذ سياسات إصلاحية طموحة نحو الديمقراطية وسيادة الوطن واستقراره واستقلال إرادته والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. لفت المفتي إلي أنه ما أحوج الأمة خلال هذه المرحلة الدقيقة من عمرها أن تتأسي برسول الله - صلي الله عليه وسلم - وبسيرته الكريمة وما أرساه من قيم العمل والمثابرة والتصميم لتكون سبباً رئيساً لشحذ وتقوية عزيمتنا في مواجهة تحديات الحاضر. وتدفع مسيرتنا لتحقيق آمال وطموحات كل شعب مصر في مستقبل أفضل. دعا فضيلته العلماء والدعاة إلي تبني خطاب ديني جديد يتناسب وروح العصر الذي نعيش فيه متسلحاً بأدواته ينشر بين شبابنا قيم الاعتدال والوسطية والتسامح والحوار ويواجه جميع دعاوي الغلو والتطرف التي تظهر من الحين للآخر ويتصدي لأي صوت ينسب للإسلام والمسلمين ما ليس فيهم. قال مفتي الجمهورية إن المشاركة الحقيقية المخلصة من كافة المواطنين والعمل بروح الفريق هي الضمانة الحقيقية لنجاح مسيرة هذه الأمة العزيزة لاستعادة دورها ليس فقط علي المستوي الاقتصادي والسياسي والثقافي والتنويري بل علي جميع المستويات الإنسانية. فالمستقبل الذي نسعي إليه لن يتحقق بالكلمات والشعارات والتمني.. وانما تحققه مشاركة فاعلة جادة تدفع وتدعم مسيرة أبناء مصر إلي الإمام لتسهم مصرنا الغالية في إحداث زخم حضاري جديد يدعم مسيرة أمتنا وعالمنا الإسلامي للرقي والتحديث. تكريم الإنسان يقول د. محمد فؤاد شاكر أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس جاء الإسلام بدعوته العظيمة إلي تكريم الإنسان وإلي تحميله الأمانة بعد أن امتنعت الجبال عن حملها ليصبح أميناً علي نفسه وأميناً علي وطنه وأميناً علي الإنسانية.. وهذا البناء الرباني الذي ختم باللبنة الأخيرة وهي مجيء رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ليحتل صدارة العقد ويختتم به وحي السماء.. هذه الرسالة جاءت لإصلاح دنيا الإنسان ودينه ولكي توقفه علي وسائل الحصول علي حقه وعلي خرق تأصيل القيم من صدق وأمانة ووفاء بالعهد وتبعده من السطو علي حقوق غيره لتجعل حداً لمعاقبة من يتحايلون في التكسب بغير حق. أضاف د. شاكر أن النبي - صلي الله عليه وسلم - كان شديد الوعيد لمن يمد يده للمال العام فيقول - صلي الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: "إني كنت أهم لآخذ تمرة من علي فراشي أجدها فأتذكر ربما تكون من تمر الصدقة فأضيفها إلي الصدقات. وكما علمنا - صلي الله عليه وسلم - في تعريفه للمسلم الذي جاء من خلال قوله الراشد "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". إن حرمة المال العام والتكسب من الوظائف وأكل مال الحرام يحبط الأعمال ويقطع الوصل بين العبد وبين ربه.. ولذلك لما سأل سيدنا سعد رضي الله عنه رسول الله - صلي الله عليه وسلم - أن يجعله مستجاب الدعوة قال ياسعد "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة".. وهذه إشارة مهمة أن الإنسان سيسأل عن سلوكه قبل أن يسأل عن طاعاته والله يغفر للعبد التائب أو للذي يذهب ليجح ويعود كيوم ولدته أمه إلا في حق حقوق الناس فمن أخذ شيئاً بغير حق يأتي يوم القيامة.. يحمله.. والنبي - صلي الله عليه وسلم - يقول: "من ولي أمر عشرة من أمة جاء يوم القيامة إما أن يفكه العدل أو يوبقه الجور". هذه ولاية عشرة من الناس فماذا يفعل الذين يتولون حكم الملايين من العباد فإذا ما أهل شهر ميلاد رسول الله صفحة جديدة في تاريخ الأمم علينا أن نغتنمها وأن نطوي صفحات الماضي في وطننا بخيرها وشرها لنترك لجهاز العدل القيام بمهمته في معاقبة الفاسدين ونتفرغ نحن لنعاهد الله جميعاً في إخراج هذا الوطن من محنته والعود به إلي مصاف الدول المتقدمة وذلك من خلال استخدام حماس هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم فزادهم الله هدي. والله لو جئت بأشعر الناس وقلت له قبل هذا الحدث تخيل ما استطاع أن يتخيل ما حدث فهو فوق الخيال وهو تسليم كامل لقدرة القادر القائل: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون". أمور أساسية يقول د. حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو نقابة الأشراف: إننا إذا أردنا أن نحتفل بالمولد النبوي هذا العام علينا اتباع عدة أمور أساسية الأول: أن نتصفح تاريخ النبي في الحرية التي نادي بها عندما قال ربنا سبحانه وتعالي: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وعندما قال النبي - صلي الله عليه وسلم: "لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا بين أبيض ولا أسود فالناس سواسية كأسنان المشط كلهم لآدم وآدم من تراب" فلا فرق بين رئيس ولا مرؤوس وليعلم ولي الأمر الذي يتولي أمر جماعة من الناس أنه سيسأل يوم القيامة عن ظلمه للناس وعن احتقاره للرعية فقد يكون تبؤه لهذا المنصب ليس كرامة من الله وانما غضب من الله عليه.. وليعلم الجميع أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته". الأمر الثاني أن يجتهد الناس في كسب المال الحلال "فأي جسد نبت من حرام فالنار أولي به". الثالث أن يجتهد الجميع في تعمير الأرض بالصناعة والبناء والزراعة. فقد قال - صلي الله عليه وسلم: "إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها". الرابع أن نحترم الآخر وأن نؤدي له حقه وحقوقه فلا فرق بين مسلم ومسيحي في المواطنة فلا يجب علي مسلم أن يفتخر علي مسيحي بدينه فإن الدين لله وإن الوطن للجميع وهم اخواننا في الإنسانية فهم من آدم وحواء لما نحن منهما لهم ما علينا ولنا ما عليهم لا ظلم ولا تفرقة. ويجب علي الرعية تجاه الحاكم أن تقومه إذا مال فقد قال سيدنا عمر عندما تولي الخلافة "أيها الناس إذا ملت فقوموني" فقام رجل إليه بسيفه وقال: "لو ملت ياعمر لقومناك بسيوفنا". أما بالنسبة للمجتمع كما يقول د. طه فيجب عليه أن يقيم التكافل الاجتماعي بينه فلا يفتخر أحد بنسبه ولا بحسبه ولا بملاه فإن المال مال الله وأنه ذل ذائل ولا ينال الغاصب منه إلا الذلة والمسكنة. وواجب علي الأمة أن تبحث في أموال الذين نهبوا أموال الدولة وأن ترد هذه الأموال إلي خزينة الدولة فقد اكتسبوها بحصانتهم وبقربهم من ولاة الأمر. ولنا في سيدنا عمر المثل الأعلي عندما تفقد إبل الصدقة فوجد هناك جمالاً سماناً فقال لمن هذه قالوا مملوكة لعبدالله بن عمر أي عبدالله ابنه - فأتي بعبدالله وسأله بكم اشتريتها فقال بكذا فقال له ادفعوا له من بيت المال ثمنها وردوها إلي بيت المال فإنها كانت ترد الماء فيقول هذه إبل ابن أمير المؤمنين فكانوا يكرمونها أكثر من غيرها وهذا ما حدث قبل الثورة المصرية المباركة. فيجب علي المجتمع أن يرد الأموال التي امتلكها أولاد الرؤساء والوزراء الي استولوا عليها واغتصبوها من عرق هذا الشعب. هذا ما علمنا إياه سيدنا عمر وليعلم الجميع أن سيدنا معاوية وقف علي المنبر وقال للناس: "أيها الناس إن هذا المال مالي ومال آبائي" وإذا برجل من الجالسين يرد عليه قوله ويقول له: يامعاوية إن هذا المال مال الله وليس لك فيه شيء فاعط لكل ذي حق حقه واعلم بأن الله سائلك عنه يوم القيامة.. فليعلم كل ناهب لمال هذا الشعب - كما يقول د. طه - إنه نهب ناراً وسيصليه الله إياها يوم القيامة.