زيارة أضرحة الأولياء وقبورهم لا تستهدف مجرد الزيارة. أو حتي الدعاء لهم. أوالوفاء بنذر. لكنها تمتد فتشمل الشكوي من ضائقة أو الاستغاثة من مكروه. أو الحصول علي بركة. تقول المرأة: "عندما تضيق بك الحياة زر أهل البيت. زر أولياء الله الصالحين. وصل ركعتين في كل مسجد. وتوجه إلي الله في الساحات الطاهرة. وسيزيل الله عنك الغمة" ويطرح السؤال نفسه: كيف تنشأ الولاية؟ وبتعبير آخر: كيف يستحق الولي صفته؟ كانت المشكلة التي شغلت ذهن هارون هي حقيقة الولي شهاب الدين الذي يعمل خادماً لمسجده.وماذا كان في زمانه المجهول. أكان الولي صاحب الكرامات التي تمشي بذكرها مواكب أهل الطريق مرة في كل عام. ضاربة دفوفها. ورافعة بنودها؟ أم لعله كان دجالاً لا يزيد؟!.. ويشير الكاتب إلي قبر شيخ وهمي. يقف أمامه الرجال والنساء. يقرءون الفاتحة وهم ينظرون إلي السماء نظرة رجاء وابتهال. ثم يمسحون وجوههم بأيديهم. ليتم الله نعمته عليهم. أما الشيخ عبدالقوي فقد مات عن أكثر من مائة عام. وكان رجلاً فاضلاً يهب الآخرين خلاصة تجارية وخبراته. فابتني أبناء القرية له مقبرة كبيرة. تعددت زياراتهم لها حتي صارت الزيارات حجاً. وأصبح مولده من المناسبات المهمة التي تحتفل بها القرية وكان أهل القرية التي أقيم فيها ضريح سيدي خضر. يجهلون تماما من هو سيدي خضر وكانوا بالتالي يجهلون تاريخه ومن هنا فإن مولده لم يكن يقام في يوم معين من أيام السنة. بل ولا في شهرمعين. إنما كان يقام عندما يأخذ أحد أغنياء القرية علي نفسه تكاليف إحياء ليلة المولد بالاشتراك مع العمدة. وفي المعصرة ضريح يسميه الأقباط "برسوم العريان" ويسميه المسلمون "سيدي محمد العريان" ويقام له احتفال كل عام. يعتبره الأقباط عيداً ويعتبره المسلمون مولداً. ويدعي كل الفريقين أن صاحب الضريح ينتمي إليه. وكانت السيدة المسلمة العجوز تؤمن ببركة مار جرجس. وتؤكد أنه ولي من أولياء الله. وفي الاسماعيلية ضريح ولي يحتفل بمولده في كل سنة. ويدعي الشيخ حنيدق. ويقول المسلمون إنه ولي مغربي. ويقول الفرنسيون إنه ناسك فرنسي. ويقول اليونانيون إنه قديس يوناني.. وقد بدأت حكاية سيدي الغريب بالسويس. لما رأي الخديوي توفيق في منامه وهو ولي العهد. شيخاً من السويس اسمه الغريب. أنبأه بأنه سيتولي الحكم عما قريب. وأوصاه. مقابلاً لنبوءته. أن يبني فوق ضريحه جامعاً. وتحققت الرؤيا. فقرر توفيق أن ينفذ ما أوصي به الشيخ في منامه. وتبرع فعلاً بخمسمائه جنيه من الذهب لإنشاء مسجد "الغريب" الذي أصبح فيما بعد ولي السويس وسلطانها وحاميها. بل إن بعض الباحثين يرجح أن يكون السيد البدوي خرافة تجسدت في أوهام الناس. حتي صارت عقدة راسخة. مثلما يعتقدون في الشيخ الأربعين والشيخ المتولي وقد فسر الاستاذ الشيخ إقبال الحياة عليه ومتعه بثراء مفاجيء. انه كان محسوباً علي السيدة زينب. فدخل مرة إلي مقامها. وشكا من العسر المادي. وفوجيء بالسيدة خارجة من قبرها الزكي في حلل من سندس واستبرق تحمل صرة وضعتها بين يديه. وأسرعت إلي مضجعها الأبدي. وبالطبع فقد كان ذلك "السر" حيلة من الشيخ لإخفاء الهوية الحقيقية لثرائه المفاجيء!. وللكلام بقية