منذ أسبوع تناولت في هذا المكان قصتي بعنوان "الحنين للآلام" التي فيها تحدثت عن الصراع النفسي الذي أعيش فيه منذ أن تحدد موعد زواجي في عيدالفطر المقبل والحنين الذي يشدني لرؤية أمي وأبي وأخي الوحيد الذين انقطعت كل أخباري بهم منذ أن كنت طفلة في السادسة من عمري بسبب حالة الضياع التي كنا نعيش فيها والتي دفعتني للهروب ليلتقطني من يعطف عليّ ويرعاني حتي صرت إنسانة أخري مختلفة تماما عما كنت أعرفها في طفولتي ملتزمة متدينة.. متعلمة.. سيرتي الحسنة تسبقني في كل مكان.. في العمل.. وفي دار الرعاية التي أقيم فيها منذ هروبي من حياة الضياع و ستظل إقامتي بها حتي يوم انتقالي إلي بيتي الجديد.. بيت الزوجية. لقد طلبت منك في رسالتي إسداء النصح في ظل هذا الحنين المسيطر عليّ في النزول لأسرتي ودعوتها للحضور في يوم زفافي.. وحدثتك عن رفض صاحب القلب الطيب الذي انتشلني وأسرته مما كنت فيه ورفضه التام لهذا الأمر الذي لن يزيدني سوي حسرة وألم.. وفي الحقيقة جاء ردك بمثابة خريطة طريق سرت عليها.. حين رأيت ان المسار الأمثل للخروج من الحالة المسيطرة عليّ بزيارة أسرتي البائسة هو بأن اصطحب معي صاحب القلب الطيب في هذه المهمة بحيث يكون السؤال عنها ورؤيتها بشكل غير مباشر تحاشيا لأية عواقب يمكن أن تحدث وتركت لي في النهاية تقدير الموقف إما بطي هذه الصفحة للأبد أو التواصل معها من جديد بعد طول انقطاع وجفاء. وكان يوما مشهودا فما أن نزلت وصاحب القلب الطيب علي الحي الذي تقطن فيه أسرتي حتي أصابني الخرس وعدم القدرة علي الكلام وأنا أستعيد صورة هذا المكان. وكل شخوصه.. وكاد قلبي يتوقف من شدة التوتر أثناء طرقنا علي باب الحجرة التي تعيش فيها أمي وأبي وأخي الأوحد.. استقبلنا الشخص الذي ما لم يعد يربطني به سوي اسمي استقبالا مرحبا فقد أخبرناه بأننا فاعلا خير جئنا لبحث ظروفه وتقديم المساعدة فتحدث قائلا: كانت لي ابنة صغيرة وماتت بعد مرض هكذا اعتبرني ميتة !! ثم استرسل: لم تتحمل زوجتي الصدمة ورحلت بعدها بوقت قصير!! زيارة زلزلتني وعصفت بكياني فأمي التي كنت أنشد رؤيتها فارقت الحياة وحال أبي الذي لم يسع يوما للبحث عني كما هو لم يتغير باستثناء أخي الذي أطل علينا أثناء الزيارة وملامح وجهه تنبئي عن تراجعه قليلا عن أيام البلطجة والإدمان. نظرت إلي هذا الماضي الحاضر ووجدتني كمن يريد الفرار منه فرارا.. فقد كان لقائي بأبي وأخي مثل لقاء الغرباء فلم أشعر تجاههما بأي مشاعر تجعلني أنسي صفحة الماضي وأبدأ معهما من جديد. عدت إلي الدار التي أقيم بها وأغلقت علي نفسي وكدت استسلم لحالة اكتئاب شديدة لكنني تعلمت ان الإنسان المؤمن القريب من ربه لا يليق به أن يترك نفسه للاكتئاب فأخذت أقارن بين حالي اليوم وما كنت مقبلة عليه لو لم أهرب مبكرا من تلك الأسرة التي أذاقتني الهوان والتشرد في طفولتي لولا أن بعث الله لي اليد الأمينة الرحيمة التي تلقفتني انها أسرة صاحب القلب الطيب أو كما أحب وصفه ب "بابا" الإنسان . أعرف انني قسوت علي نفسي بشدة حينما مضيت وراء الحنين لرؤية من تربطني بهم صلة دم وقربي عسي أن يكون قد بدل الله من حالهم لأعيد معهم ما سبق أن قطعوه وأجدهم بجواري في يوم عرسي لكن ما زادتني خطواتي نحو الماضي سوي يقينا بما قاله الرسول صلوات الله عليه وسلامه بأنه ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك ما كان ليصيبك. وكم خصني سبحانه من رحمات جعلتني لا أشقي مثل غيري ممن كابدوا في طفولتهم مرارة الهروب إلي الشارع وكان مصيرهم الضياع فحمدا لله كثيرا وشكرا لنصيحتك إليّ التي أعانتني علي حسم أمري لأطوي معها صفحة ذاك الماضي الكئيب إلي غير رجعة. ي.ي.ع القاهرة ** المحررة أخذت بالنصيحة لتضعي نهاية لهذا الصراع الذي كاد يفسد عليك فرحتك مع قرب زفافك بعد أيام قليلة.. كان حنينك الذي وصفته لنا في رسالتك الأولي بأنه حنين للآلام. هو في المقام الأول نحو أمك وإن لم أنكره علي أبيك وأخيك بالطبع.. لكن الواقع أشد مرارة بحد وصفك عما كنت تأمليه.. فقد رحلت الأم كمدا علي فراقك كما تحدث الأب.. وباتت المقارنة مستحيلة بين حالك اليوم وما كنت عليه منذ أن كان عمرك ست سنوات..!! فالفرق شاسع ولا تستطيعين إيجاد أية صيغة لإلغاء هذا الفرق أو حتي التقريب منه ما جعلك تشعرين بفيض النعم الذي أنزلة الله بك حينما عوضك عن الأسرة التي لم يشغلها عناء البحث عنك عبر سنوات طويلة بأسرة صاحب القلب الطيب التي كانت ولا تزال خير أمين عليك وخير راع.. وبقدر ما غرسوه فيك من خلق والتزام بقدر ما نجحت في التغلب علي حالة الاكتئاب التي كادت تسيطر عليك بعد لقائك بأبيك وأخيك حين نظرت إلي الجزء المملوء من الكوب وليس إلي الجزء الفارغ منه ما أعانك علي استعادة عافيتك بطي صفحة الماضي بكل جراحها وفتح صفحة المستقبل القريب مع حياة جديدة عنوانها المودة والرحمة.. تمنياتي لك بخالص السعادة والتوفيق وأتم الله عليك عرسك.