الحالة المزرية التي وصلت إليها الظروف المحيطة ببعض الآثار التاريخية في القاهرة الإسلامية تثير الأسي وتدفع الغيورين علي سمعة وتاريخ هذا الوطن للاحتجاج والسخط. وهذا ما رأينا ملمحاً منه في برنامج "بلدنا بالمصري" الذي تقدمه الإعلامية ريم ماجد. عرض البرنامج تحقيقاً مصوراً لشارع المعز لدين الله الفاطمي الذي يعتبر متحفاً مفتوحاً لا يوجد نظير له. في أي بلد آخر. وتضمنت الصور دليلاً صارخاً يشهد علي حجم الإهمال والاستهتار بقيمة الكثير من الكنوز والآثار النادرة المتبقية من العصرين العباسي والفاطمي! أطنان من الزبالة تحيط ببعض هذه الآثار. وأشكال من التعديات الوحشية تهدد باندثارها ومن ثم زوال آخر الملامح الحية الباقية من العصر الذي تنتمي إليه. أيضاً الآثار في منطقة مصر القديمة التي اشتكي السكان من العدوان الذي يتم عليها. والتربص الذي يهدد وجودها من قبل الطامعين في الأرض التي تقف عليها! معظم هذه الآثار التي قام التحقيق بتصويرها محاطة بعشوائيات وأماكن سكنية شعبية محرومة من أبسط الخدمات ورغم ذلك قام نفر منهم بالتبليغ عن "الغارات" التي تهدد بفناء كثير من الملامح التاريخية للقاهرة التي بناها جوهر الصقلي عام 358 هجرية.. كثير مما سمعناه عن النهب المنتظم الذي تعرضت له الكنوز الأثرية الموجودة في القاهرة حقيقي ويقال إن مانهب من الآثار الفرعونية التي عانت من سوء التخزين ومن غياب الصيانة والحفظ السليم يفوق الخيال؟! تقول المرشدة السياحية التي استضافها البرنامج "لا يوجد أثر في مصر لم يتم الاعتداء عليه. وأن الجرائم التي تحدث في هذا المجال ترقي إلي مستوي الخيانة العظمي" سرقة هذه الآثار تتم في وضح النهار وأمام العيان. حيث توجد قداسة لها وشكلها المتهدم. والتصدع الواضح لأجزاء منها. وسقوط بعض هذه الأجزاء علي الأرض يغري كثيراً ممن لا ضمير ولا حس وطنياً لديهم بالاستيلاء عليها.. ويري الدكتور رأفت النبراوي العميد الأسبق لكلية الآثار جامعة القاهرة أن غياب الوعي الأثري لدي الناس مسئول نسبياً عن هذه التعديات.. واقع الأمر أنه لا توجد حماية حقيقية للآثار من قبل شرطة السياحة والآثار. ولا توجد صيانة رغم الدخل الكبير الذي تحققه السياحة والآثار ورغم وجود هيئة وأسماء رنانة كانت تملأ الدنيا ضجيجاً وكانت لفترة طويلة مسئولة عن صيانة الآثار.. وكان يوجد مجلس أعلي للآثار ووزير فنان للثقافة يفترض انه كان أيضاً مهموماً بصيانة الآثار والتراث الحضاري. الصور التي عرضها البرنامج والحالة التي بدت عليها الآثار المصورة تؤكد أن الإهمال قديم منذ عشرات السنين. وجرائم التعدي عليها ليست وليدة العامين الأخيرين. لقد ظل غياب الأمن. الشماعة التي يعلق عليها بعض المسئولين الكثير من أشكال القصور والإهمال الذي يصل بالفعل إلي مستوي الخيانة العظمي للوطن وللتاريخ وللحضارة الإسلامية.. علماً بأن هذا الغياب للأمن ليس وحده المسئول وإنما غياب الضمير وغياب الوعي. وأيضاً غياب الصورة الحقيقية للحالة المروعة التي وصلنا إليها..