علي الرغم من ابتعاده عن الوطن منذ سنوات طويلة. فإن القاص والناقد عبدالفتاح صبري يلح في كتاباته علي الواقع المصري. يصل الماضي بالحاضر باستشرافات المستقبل. بالإضافة إلي متابعاته الجادة لإبداعات الكتاب المصريين. قلنا: حالة الاغتراب.. هل أثرت في إبداعك؟ قال: نحن كبشر في زمننا الآني نعاني الاغتراب. ليس بوصفه فحسب. ولكن كحالة ناجمة من إشكاليات وأزمات طاحنة تجرنا والأوطان إلي حافة متكسرة. وغير متوقعة. منذ عدة عقود ونحن نعيش حالة من التخبط القومي والوطني. مما يجعلنا دائماً نعيش القلق والاغتراب. زاد عليه أننا أصبحنا منفيين عن الوطن الأم. ذلك التاريخ الإنساني الخاص.. ملاعب الصبا. أرض الأحلام. ساحات تشكل الذات والوعي والمعرفة. الأماني وزهو الوطن والانكسارات والتعاكسات. نعم. نحن في أزمة إنسانية. وحالة من الاغتراب لا يمكن الخروج منها. وبالتالي فإنها تشكل جزءاً من الوعي. ومن المعرفة. ومن الثقافة. وستظهر حتماً في الإبداع. تتلون وتتشكل وتنهمر لوحة أو فكرة أو تعبيراً. وسنجد حالة من التشظي الإنساني يعانيه بطل قصصي. وحالة من الوعي تحياها شخوص. لأنها مأزومة ومنفية ومرمية علي هامش الحياة. قلنا: كتبت العديد من المجموعات القصصية.. مارأيك في مقولة وفاة القصة في الوطن العربي؟ قال: أعتقد أنه زمن السرد بشكل عام. وإذا كان هناك اهتمام وتركيز من بعض الأدباء علي الفن الروائي باعتبار أن هذا زمانه. فإنه أيضاً عصر القصة القصيرة رغم أنه فن مراوغ وصعب ومخاتل. ويحتاج إلي دربة وحنكة وثقافة. لكن اللافت أن هناك كتاباً جدداً وكثراً في الوطن العربي يجددون في القصة والرواية معاً. ومن تجربتي خلال المسابقات أجد أن هناك ازدهاراً وتناولاً جديداً وتجديداً. يصب في نهر القصة القصيرة والرواية أيضاً وأصبحت هناك لغة جديدة وإدهاش. وتعمد في البحث عن المفارقة الباعثة علي التأمل في الذات. والمجتمع أيضاً. رغم أنها لحظة تدرك. لكن يتم البناء عليها كثيراً. وهذا ما يميز القصة العربية الجديدة. قلنا: أنت واحد من العاملين في مجال الثقافة خارج مصر.. هل تري أن شعاع الثقافة قد انتقل من عواصم عربية إلي أخري؟ وما أسباب ذلك؟ قال: لا شك أن نظرية المراكز والأطراف في الثقافة العربية قد تلاشت تماماً. مثلما حدث في محاور السياسة وغيرها في العقود الأخيرة. والحالة الخليجية خير مثال لذلك. فلم يعد النظر إلي الخليج علي أنه نفط وحسب. فالازدهار واضح في الشعر والقصة والرواية وغيرها من الإبداعات الأدبية والفنية. ناهيك عن الحراك الثقافي الذي يعوض سنين سابقة. ولنأخذ حالة إمارة الشارقة نموذجاً. حيث تمثل مشروعاً ثقافياً يشمل كل محاور الإبداع والثقافة والفنون والآداب والمسرح والتراث والمتاحف إلخ. وذات حراك يومي يشمل كل ذلك. ويهتم بالإنسان ليس في المدينة. بل في الريف والبادية. ويهتم بالطفل واليافع والكبير. ويتنوع من مراكز حاضنة. وبؤر للتأسيس. ومثابات للإبداع. ومسابقات. وجوائز. وملتقيات. وندوات. ومعارض. ومهرجانات. واهتمام بالسمعي والمكتوب.. هذا الحراك قد نجده في مدن أخري بألوان أخري. لكن المهم أن هذا المشروع يتم الاحتكاك فيه بكل أطياف الثقافة العربية. حيث يتم استضافة عشرات الوجوه من عموم الوطن العربي علي مدار العام في هذه المناشط. وبالتالي يتم التلاقح وتبادل الخبرات والتعارف والتعرف إلي الجديد في محاور الإبداع والثقافة. ويتم تمرير هذه الثقافات لبعضها. وبالتالي فإن شعاع الثقافة ينتقل ويتأثر ويؤثر. بالإضافة إلي أن هناك بعض المناشط الثقافية في مشروع الشارقة علي صعيد الفن والكتاب. وتكريم الشعراء والمسرحيين ينتقل إلي عواصم عربية كالقاهرة وبيروت ودمشق وعمان والرباط وغيرها. وبالتالي تنتقل التجربة إلي هناك. ويتم التلاقح والتأثير المتبادل. قلنا: حركة الثقافة في الوطن العربي.. هل تناسب هذا التنوع الثقافي؟ قال: أعتقد أننا الآن في مرحلة مخاض جديدة بعد الربيع العربي. وأصبح الإنسان العربي أكثر بحثاً عن ذاته وحريته ومكانته الاجتماعية وأناه الجديدة التي انتزعها من سلطات ظالمة غاشمة أضاعت الأوطان. وأضاعت الإنسان والحرية. وبالتالي فإن الثقافة الآن تعاني تلك المرحلة الرجراجة والهلامية. والتي يعاد فيها تشكيل المستقبل. وأنها مهمشة حتي اللحظة من الفعل الرسمي. أو حتي الشعبي. وقد أثبتت ثورات الربيع العربي مدي تراجع الثقافة والمثقف. وأنه مثل غيره مندهش. لأن الفعل الشعبي كان حالماً أكثر. وفاعلاً أكثر. وثورياً أكثر. ومن ثم تتواري الثقافة. وفي حالة مصر. ومع صمود مد الإسلام السياسي للمنطقة. ونظرته للثقافة. تجعلنا نخاف علي الثقافة بكل روافدها ومثاباتها في مصر من متاحف وآثار وفنون وموسيقي وإعلام وصناعة كتاب. أعتقد أنها تنكمش من مستويات الفعل الرسمي. وأن ذلك سيضر بقوة مصر الناعمة. وبقدرتها الإنسانية والفكرية. ومعالمها التاريخية التي أحكمت سيطرتها علي المنطقة عبر التاريخ. إنها إرادة الثقافة ووعيها وتاريخها. هي ما يحارب الآن. قلنا: بالمناسبة: ما مدي استيعاب المجلات الأدبية لحركة الثقافة العربية؟ قال: المجلات الأدبية تعاني الآن أزمة. بدأت بتخلي السلطات عن دعمها في ظل ارتفاع التكلفة المادية.. هذه المجلات كان لها دور بناء في صناعة الإنسان. وصياغة وجدانه. وانتشار الرؤي والإبداع. وكل المجلات تشاهده. مثل الرسالة والآداب والهلال والدوحة إلخ. لكن معظم هذه المجلات العظيمة توقفت. أو تراجعت. وأصبحت المجلات محدودة في الوطن العربي. إضافة إلي تعاظم دور الشبكة العنكبوتية والمجلات الالكترونية والرقمية. ولكن ستظل هذه المجلات قاصرة عن استيعاب الإبداع العربي الذي زاد. واتسعت رقعة المتعاملين معه. إضافة كذلك لانهيار الحراك الثقافي. ولم تعد تطرح قضايا فكرية أو رؤية تشغل بال المثقفين. نظراً لتراجع دورهم من ناحية. ولانشغال الإنسان بقضايا الوطن الجديدة من ناحية أخري.