من المفاجآت التي أعقبت الاعلان عن نية الحكومة إصدار مرسوم بقانون لمنع التظاهر والاحتجاجات أو التحريض عليها ان مثل هذا المرسوم موجود بالفعل تحت رقم 14 لسنة 1910 أبان كانت مصر خاضعة للاحتلال الانجليزي وأن حكومة الدكتور عصام شرف استدعته من علي أرفف التاريخ لمواجهة حالات الفلتان الفئوي التي شهدتها البلاد بكثافة في الفترة الماضية. ومرسوم القانون لم يتم التوقيع عليه من المجلس الأعلي للقوات المسلحة حتي الآن ومن ثم لم يدخل حيز التنفيذ.. ومع ذلك مازال يثير جدلاً.. الجدل مازال يدور حول مرسوم قانون التظاهر والذي أعلن عنه وينص علي توقيع العقوبة ضد من يحرض أو يدعو للاعتصامات والوقفات الاحتجاجية والتجمهر بالحبس لمدة أقصاها سنة وغرامة تصل إلي نصف مليون جنيه وضمن حالة الطوارئ. فريق يري أنه مرسوم يقيد الحريات ولا يتفق مع نتائج الثورة العظيمة ويقلص حقاً من الحقوق الدستورية وآخر أكد أنه ضروري للخلاص من حالة الفوضي والانفلات وزيادة المطالب الفئوية التي تعوق العمل وتؤثر علي الوضع الاقتصادي العام. أما اساتذة القانون فأكدوا أنه يجب أن يكون أكثر تحديداً ويوجه لمتسببي العنف وإثارة الشغب وأشاروا إلي أن الغرامة المالية التي حددها المرسوم بنصف مليون جنيه مبالغ فيها. د. عصام شيحة محام بالنقض وعضو حزب الوفد قال: لدينا قوانين تحد من التظاهر وتنظمه وموجودة منذ الاحتلال مثل قانون رقم 14 لسنة ..1910 هذا إلي جانب ان مصر من الدول الأولي في إعداد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان منذ عام 1948 بالاضافة إلي ان مصر صدقت علي العهدين للحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك حق التظاهر طبقا للمادة 151 والدستور المصري جزء لا يتجزأ من القانون ولابد من احترامه ولا يجوز الخروج عليه. أضاف إن الاشكالية في مشروع التظاهر الطريقة التي قدم بها للرأي العام في ظل مناخ محتقن يسعي إلي مزيد من الحريات بعد كبت استمر 30 سنة.. بالإضافة إلي ان مشروع القانون يوصي أنه موجه للوقفات الاحتجاجية والمطالبات الفئوية خاصة في ظل غياب النقابات المهنية والعمالية مما دفع المواطنين للمطالبة بحقوقهم عن طريق الاعتصامات والاضرابات. أما عن رؤيته للحد من الفوضي فقال يمكن تفعيل ديوان المظالم التابع لمجلسي الوزراء بأن يتصل بممثلي المحتجين في كافة القطاعات ويعرضوا مشاكلهم وضرورة تحديد جدول زمني لحل هذه المشاكل هذا أفضل من الاضرابات وتعطيل العمل ولا قانون التظاهر. ناشد المحتجين ضرورة مراعاة ظروف المرحلة الانتقالية التي يجب ان نتكاتف جميعا للخروج منها بأقل الخسائر الممكنة حتي نستطيع أن ننطلق إلي آفاق المستقبل والتطور الديمقراطي. يري المستشار إبراهيم صالح النائب الأول لمحكمة النقض وعضو المجلس الأعلي للقضاء سابقاً ان الاضراب هو حق للعاملين وان إبداء الرأي لا جناح عليه خاصة ان مصر تعبر مرحلة تاريخية هامة ولكن مازالت هناك فلول النظام القديم تحاول إثارة الفوضي والامتناع عن العمل ويساعدون في إشعال الفتن رغم ان مصر تعاني الأزمة من الناحية الاقتصادية وأصيبت بأضرار بالغة. أضاف هناك بعض أصحاب الإتجاهات السياسية في الداخل يحرضون علي الثورة المضادة ولهذا فإنه يتعين وضع الضمانات للانضباط وتجنب الفوضي وما يلحق بها من خلل أمني.. ومن هنا فإن مثل هذا القانون لا يعد خرقاً للدستور ولا مصادرة للرأي.. ولا يمس حرية المحتجين والثوار الذين غيروا مصير مصر في العصر الحديث.. وهذا القانون لا يعيبه مخالفة الحق الدستوري في التظاهر كما يدعي البعض لأنه حق يراد به باطل. أضاف ان الانفلات له تداعيات وآثار سلبية علي الأمن الداخلي والاقتصاد وسمعة مصر والسير في الطريق الديمقراطي خاصة ان هذا القانون اشترط بتمريره وجود حالة الطوارئ المعلنة أصلاً أي أنه اجراء مؤقت لتسيير الأمور ولابد من الإنتباه إلي ان الثورة المضادة تحاول ان تلفق الثورة التي أبهرت العالم. وعن رأي ممثلي حقوق الانسان يقول حافظ الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان ان قانون التظاهر جاء صادماً لأنه ضد الحرية ولا يجوز تقييد الحريات ومصادرتها فالقانون يجرم حق التظاهر والوقفات الاحتجاجية وهذا مؤشر خطر لأنه حق من حقوق الانسان أقر في عام 2002 بعد نضال عشرات السنين. أضاف لابد من التوازن بين العمال وأصحاب الأعمال وكان من الممكن ان يصاغ القانون باسلوب أفضل خاصة ان الثورة كانت عبارة عن مظاهرة ضخمة وحاشدة ويجب ان يظل التظاهر سلطة في أيدي الشعب لممارسة حرية التعبير.. وكان الأفضل تجريم استخدام الشغب والعنف وليس حق التظاهر وعلي سبيل المثال لا يمكن تجريم الكتابة ولكن نجرم السب والقذف. يري انه يمكن الحد من الفوضي خاصة في إطار الاضرابات العمالية لأنها عرض لمرض إذ ان الإحساس بعدم الرضا للعمال وفئات الموظفين وغيرهم كان يعم البلاد والحل لذلك إيجاد آلية للتفاوض من خلال نقابات مستقلة حرة من أشخاص قادرين علي التفاوض بفاعلية من أجل الوصول إلي المطالب المشروعة وبتحديد جدول زمني لتحقيق هذه المطالب. أضاف أيمن عقيل رئيس مجلس أمناء مؤسسة "ياعت" لحقوق الانسان انه يجب التفريق بين نص القانون والتطبيق فيكون التطبيق علي من يعيق مؤسسات الدولة عن القيام بدورها.. لأن حق التظاهر مكفول وتعد جزءاً من التشريع الداخلي. قال إن الدولة تسعي لبناء جديد ونظام ديمقراطي سليم وإذا لم يتوافر المناخ الآمن لقيام المواطن بعمله ووظيفته فلن نحقق ما هدفت إليه الثورة العظيمة. يتمني أن يطبق القانون علي المخالفين ومثيري الشغب وإعاقة مؤسسات الدولة وتعطيل الشوارع ووقف الحال العام. أوضح نبيل زكي.. نائب رئيس حزب التجمع ان قانون التظاهر يحد من الحريات العامة ومنها حق التظاهر السلمي. فهناك عبارات في مشروع القانون تنطوي علي خطورة شديدة مثل كلمة التحريض.. فمثلا إذا كتبت مقالاً عن فئة مظلومة قد يعتبر هذا من قبيل التحريض ويقع الكاتب تحت طائلة القانون. أضاف أرفض ابتذال أسلوب الاعتصامات والإضرابات والوقفات الإحتجاجية.. ولهذا اقترح إعداد حملة توعية موسعة لإقناع من لهم مطالب بألا يبالغوا في استخدام هذه الاساليب إلا عند الضرورة القصوي. أطالب الحكومة بوضع حد للأجور لأن هذا يساعد في تهدئة من يشارك في هذه الاعتصامات فليس من المعقول إن يتقاضي شخصا مليون جنيه في الشهر في بلد يعيش فيه أكثر من 40% تحت خط الفقر. أضاف أن خطوة من هذا النوع يمكن ان تساهم في اقناع المواطنين ان يؤجلوا مطالبهم الفئوية حتي يمكن إعادة تنشيط عجلة الانتاج. يري أن الفوضي تنتج عن الإنفلات الأمني وسوف تهدأ تدريجيا.. والمرحلة التي جاءت بعد الثورة فجرت الظلم المكبوت ولكن يجب مساعدة الحكومة علي اجتياز هذه الفترة الدقيقة وعودة النشاط الاقتصادي وحكماء الأمة لهم دور في عودة الهدوء. أما عز الدين فرغلي رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية يري إذا صدر هذا المرسوم الخاص بالتظاهر في أي ظروف أخري يعتبر قيداً علي حق التظاهر السلمي وتكميم الأفواه والحد من مناخ الحرية الذي بدأنا نستنشقه بعد عناء طويل ولكن نحتاجه بهذه الصيغة لأن ظروف البلد مضطربة والمطالب الفئوية خرجت عن الإطار الشرعي لها. أضاف: ان الطلبة يريدون تغيير العميد وأخرون يريدون بقاء العميد ونفس الشيء عمال يرفضون وآخرون مؤيدون والمسألة أصبحت فوضي.. بحجة إرتباط القيادات بالنظام السابق.. وهذا سيؤدي إلي خلل في الهياكل التنظيمة ويساعد علي دعم الثورة المضادة وليس هدمها فقط. أضاف: نحن في حاجة لزيادة الأطمئنان في ظل الفراغ الأمني الذي نعاني منه في كثير من المناطق وبعض الاحتقان الطائفي.. كل هذا يحتاج لوعي لتنظيم الشكاوي وليس استغلالا لمناخ الحرية.. ويجب ان نستمع ولا نتبع الأساليب الماضية أن نتكلم ولا نسمع ولابد من إحترام الرأي والرأي الآخر فهذا كفيل بالحد من الفوضي والإضرابات غير المشروعة.