عيدك.. يا أمي نحتفل بعيدي الأضحي والفطر.. وأيضاً ليلة رأس السنة الهجرية والمولد النبويِ وعاشوراء وعيد الميلاد المجيد.. وكلها أعياد دينية تعبر عن مناسبات محببة للقلوب وتهفو إليها النفوس والأرواح. ونحتفل كذلك بأعياد قومية مثل ثورة 23 يوليو وتحرير سيناء والسادس من أكتوبر والشرطة. كما نحتفل بمناسبات اجتماعية كثيرة يأتي في مقدمتها عيد الأم وعيد الحب وشم النسيم. لدينا أعياد كثيرة.. اللهم كتر منها وزدها. لكن البعض يرفض هذا الكم من الأعياد.. ويصف الأعياد القومية والاجتماعية بأنها بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار!! *** اتفق مع هؤلاء المتشنجين والمعقدين في مسألة البدعة والضلالة التي في النار.. لكني لا اتفق معهم جملة وتفصيلاً في أن هذه الأعياد التي حددوها بدعة. أي بدعة في الأعياد القومية التي تعبر عن مناسبات عظيمة غيرت مجري تاريخ الأمة وتذكرنا بما قدمه أبناؤنا لمصر من تضحيات وبذل وعطاء؟ .. وأي بدعة في الأعياد الاجتماعية التي تجعلنا نعيش عاماً كاملاً في لحظات جميلة ومركزة؟ مثلاً.. شم النسيم.. هو في الأصل عيد فرعوني.. الآن يجتمع فيه كل أفراد الأسرة.. يخرجون للحدائق ويتزاورون ويتناولون الطعام المفضل معاً.. ومن هنا أقول لأصحاب العقول "المظلمة": ادرجوا هذا اليوم تحت بند "صلة الرحم".. أليست صلة الرحم من الدين؟ .. ومثلاً.. عيد الحب.. يتبادل فيه الناس الهدايا والتهاني.. يتقربون بها إلي بعضهم في مودة وصفاء نفس.. ومن هنا أقول لأصحاب نفس العقول: ادرجوا هذا اليوم أيضا تحت بند "تهادوا.. تحابوا".. أليس تبادل الهدايا.. من الدين؟ أما عيد الأم الذي نحتفل به اليوم فإن له وضعاً خاصاً وكلاماً آخر. *** نعم.. الاحتفاء بالأم يجب ألا يتوقف علي مدار العام. فالأم هي الوعاء الذي حملني وحملك تسعة أشهر لا يعلم سوي الله مدي الاجهاد والآلام التي كابدتها. .. والأم هي الصدر الحنون النابض بالحياة الذي لا يفترق عنه الإنسان.. رضيعاً وطفلاً وصبياً وشاباً ورجلاً. .. والأم هي الملاذ الآمن والحصن الحصين من نوائب الدهر وغدر الزمان والغادرين.. يجد فيه الإنسان دائماً مأمنه وراحته وهدوءه النفسي والعصبي فيستعيد توازنه وقدرته علي الصمود والتصدي.. والتحدي. .. والأم هي "كنز الكنوز".. رضاؤها من رضاء المولي. وسخطها من سخطه. ودعاؤها يخترق سبع سماوات ويصل مباشرة إلي عرش الرحمن في لمح البصر.. أليست الجنة تحت أقدامها؟ من هنا.. أوصي المولي عز وجعل بالوالدين عامة وبالأم خاصة في أكثر من آية من دستور الإسلام.. القرآن الكريم. .. ومن هنا أيضاً.. حرص الرسول الكريم - صلي الله عليه وسلم - علي أن يذكر في حديث "احق الناس" الأم ثلاث مرات والأب مرة واحدة. والإنسان مهما أعطي أمه مما آفاء الله به عليه ومهما خدمها ورعاها طوال حياته فلن يوفيها حقها عن يوم واحد حملته في رحمها طوال تسعة أشهر. ولن يوفيها حقها عن صرخة واحدة صدرت منها بسبب آلام الوضع. ولن يوفيها حقها عن رضعة واحدة منها علي مدي سنتين حتي الفطام.. وقس علي ذلك ما قدمته له من رعاية وعناية وحنان ودعاء حتي وهو رجل له أولاد وأحفاد. اللهم امدد في عمر كل أم علي قيد الحياة.. متعها يارب بالصحة والعافية.. واجعلها دائماً راضية عن أبنائها البررة.. مرضياً عنها منك في الدنيا والآخرة. اللهم ارحم كل أم استرددت بها وديعتك لكي تكون في معيتك إلي يوم الدين. .. والآن.. بالله عليكم.. ألا تستحق الأم أن يكون لها عيد خاص بها؟ بل.. ألا تستحق أن يكون كل يوم من أيام العام.. عيداً لها؟ فلماذا النظرة الضيقة والعقول "المظلمة" في أبجديات الحياة؟ الحياة.. أبسط وأرحب من كل ما يدعون.. ولكن.. لمن نقول.. ومن يسمع؟!