"إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع".. كلمات خالدة لسيد الخلق محمد صلي الله عليه وسلم نرددها أثناء تشييع جنازة أي عزيز من الأهل والأصدقاء أو من أبناء الوطن خاصة "شهداء الشرطة" الذين يتساقطون في ساحة الدفاع عن أمن الوطن واستقراره في زمن تجاوز فيه الانفلات كل الخطوط. وصارت لغة السلاح والبلطجة هي السائدة للبطش والاستيلاء علي الأمتعة والأموال وناهيك عن السيارات وحلي النساء وفرض الإتاوات بأسلوب القهر والإجرام. والأكثر غرابة أن المجرم يطلب الفدية والأموال مقابل عودة المسروقات بكل بجاحة ودون وازع من ضمير. حقيقة إن الألم يعتصره الألم حين نري شهيداً من شباب الشرطة يسقط صريعاً برصاصة غادرة لبلطجي أصاب الأهالي بالقلق والعمليات الإجرامية. شباب في عمر الورد ضحايا هؤلاء الخارجين عن القانون مرة في سيناء وأخري في الغربية وفي الصعيد وآخر هؤلاء الأبناء الأعزاء ذلك الفتي الشهيد ابن الشهيد كريم. ومما ضاعف الآلام أن الشهيد تركه والده طفلاً صغيراً وفي ساحة الشرف سقط الابن شهيداً تاركاً "ياسين" لم ينطق بكلمة "بابا" بعد. أحزان تتدافع إلي الوجدان بينما الدعوات تنطلق بالرحمات له ولإخوانه من الشهداء وكذلك بأن يمنح الآباء والأمهات الصبر. فكلنا فداء الوطن. وسوف يظل الدفاع عن الأمن والاستقرار شرفاً يتوج أعناق هؤلاء الرجال الأبطال وأهلهم. التساؤل الذي يطرح نفسه إلي متي نظل نذرف الدموع علي الشهداء ونقف مكتوفي الأيدي في مواجهة البلطجة والإجرام؟ إلي متي السكوت عن عصابات السطو علي السيارات وعمليات القهر التي تقع في كل ركن من أرضنا الطيبة؟ إلي متي نتفرج ونترك كل واحد يأخذ حقه بيده؟ وهل سوف نترك أهل القري والنجوع يثأرون لأنفسهم من المجرمين في غياب القانون وسلطانه؟ أسئلة كثيرة يزاحم بعضها البعض دون إجابة؟! إن الإنفلات الأمني تحول إلي ظاهرة مخيفة.. تصوروا مساعد وزير الداخلية يقع ضحية البلطجة ويتم الاستيلاء علي سيارته. ليس هذا فحسب.. سيارات نقل الأموال تتعرض للسطو والسرقة والنماذج كثيرة. والتسيب هو الأساس في مواجهة كل هذه الجرائم. ومعظمنا يكتفي بمصمصة الشفاه ولست أدري إلي متي تستمر هذه المعاناة رغم أنه لا يلوح في الأفق أي بادرة لإزاحتها عن صدور المواطنين. المثير للأسي أن رجل الشرطة ضابطاً أو أميناً أو أي فرد ينتمي إلي هذا الجهاز الوطني لو تصدي لأي بلطجي في محاولة لمنعه من ارتكاب جرائمه فإن اللوم سوف ينصب عليه ناراً حامية. مرة يوجه إليه الاتهام بمزاولة العنف وأخري بأنه لم يراع القانون في القبض علي المتهم وبذلك أصبح رجل الشرطة وقعاً بين أمرين أحلاهما مر. حائر بين أداء واجبه ومهمته في مقاومة المجرم وبين الدفاع عن النفس. الويل كل الويل لو تلفظ الضابط أو رجل الشرطة بعبارات أو تبادل مع المجرم الضرب. وقد شاهدت بعيني رجل شرطة يحاول وقف الاعتداء علي إحدي مؤسسات الدولة وعندما رفع العصا في وجه متهم يلقي الحجارة علي الشرطة سمعت أستاذاً للقانون بالجامعة يصرخ قائلاً: لماذا هذا العنف؟ أرأيتم كيف وقع رجل الشرطة بين "شقي الرحي". تركناه يعاني من مقاومة المجرمين ثم قدمناه للمحاكمة فكيف ننتظر تحقيق الأمن والأمان علي يديه. لقد أصبح عاجزاً ويده ترتعش ولا يستطيع الوقوف في وجه المجرم وبذلك أصابته حالة من اللامبالاة. وأصبح الملعب خالياً للبلطجية يعيثون في الأرض فساداً دون التفات لقيم أو خوف من الشرطة وأصبح قول الشاعر العربي ينطبق علي رجل الشرطة مكتوف الأيدي. ألقاه في اليم مكتوفا وقال له.. إياك إياك أن تبتل بالماء الأمور تتطور.. المجرم يتسلح بأقوي مسدس أو بندقية آلي متطورة خاصة بعد أن شاهدنا إغراق البلاد بالأسلحة من كل جانب من جيراننا بينما رجل الشرطة يحمل سلاحاً لا يتناسب مع سلاح البلطجي.. معادلة صعبة. تصوروا سلاح قديم والأدهي أنه مشدود بالبلاستر مما يحول دون استخدامه مزيداً في الحيطة والحذر.. بالله عليكم كيف يستطيع رجل الشرطة مقاومة أي لص بهذا السلاح القديم. وكم جأر رجال الشرطة بعدم كفاءة سلاحهم. وأصبحوا بلا حول ولا قوة في مواجهة بطش وذكاء دهاة الإجرام. بلا شك إنها مأساة.. إذ كيف نترك رجل الشرطة دون دعمه بالسلاح المناسب وتأهيله بأحدث الأساليب المعاصرة والوقوف بجانبه ومخاطبته بحكمة وقول طيب ليتولي تطبيق القانون دون تفريط أو إفراط واحاطته بكل تقدير واحترام لدوره بمراعاة كل حالة بقدرها. وهؤلاء الرجال قد درسوا القانون في كلية الشرطة ويدركون الفرق بين تأمين مظاهرة سلمية ومقاومة مجرم أثناء ارتكاب جريمته أو مطاردته لإلقاء القبض عليه. حقيقة إن رجل الشرطة قد هانت عليه نفسه لهذه الحالة المتردية التي وصل إليها.. يتعرض للإهانة والاتهام باستعمال العنف والقسوة. وإن الانهيار الذي تعرضت له أجهزة الأمن انعكس علي حالة الشارع التي لا ترضي أحداً. هذه الصور المأساوية.. وتساقط الشهداء بين كل فترة وأخري يتطلب تدارك الأمر بسرعة وبكل قوة وحسم. حتي يستطيع رجل الشرطة أداء واجبه دون خوف وفي مناخ تمت تهيئته لكي يمارس دوره في إطار من قوة القانون وتطبيق نصوصه وملاحقة المجرم بسلاح متطور كل ذلك يتطلب الآتي: * إصدار قانون لحماية رجال الشرطة ومنحهم حق الدفاع عن النفس مع تغليظ العقوبة وتشديدها في وجه كل من يعتدي علي رجال الشرطة سواء بالقول أو بالفعل. كل يعرف دوره ومهامه. * تدريب رجال الشرطة.. وتأهيل الكثيرين منهم علي أساليب مقاومة المجرمين واتخاذ الحيطة والحذر أثناء عمليات المطاردة. وتزويدهم بخبرة كبار رجال الشرطة خاصة أن حماس الشباب وثورة الغضب نحو أساليب المجرمين التي فاقت كل الحدود. * تزويد رجال الشرطة بأحدث الأسلحة المتطورة مع ذخيرة تتلاءم وكل حالة وفق ظروفها. مع تحذيرهم بعدم التجاوز واستخدام السلاح في المقاومة في إطار الحدود التي كفلها القانون والضوابط التي تمنع التجاوز.. حماية المواطن والحفاظ علي رجل الشرطة مهمتان أساسيتان لا بديل لأحدهما عن الآخر. كل له حقوق وعليه واجبات. * تنظيم دورات رجال الشرطة داخلياً وخارجياً لكي يصبح رجل الشرطة مسلحاً بأساليب رجال الشرطة في الدول المتقدمة. الحفاظ علي هيبته مع تطبيق القانون دون تجاوز أو خروج عن الحقوق الإنسانية. * الإسراع بإصدار قانون تغليظ عقوبة الاعتداء علي رجال الشرطة ومنح رجل الشرطة كل الصلاحيات لممارسة عمله دون حد من سلطاته.. إن حالة الشارع تتطلب اتخاذ التدابير التي تعيد الأمان والاستقرار لمصرنا العزيزة الآمنة.. يا سادة إن مهمة الأمن غالية دعونا نترقب ماذا أنتم فاعلون؟