حفل فرقة "عمدان النور" الذي أقيم بالمسرح المكشوف في الأوبرا يمثل نموذجا للفن الذي ولد من رحم الثورة أو بمعني أدق من ميدان التحرير وتمتاز بنفس الميزات من الاهتمام بالكلمة الشعرية التي تعد البطل ولكن الميزة التي تمثل اضافة هي الطاقة الميلودية وموهبة ابداع الجمل اللحنية السلسة والمستساغة التي يمتلكها الشاب يحيي نديم ملحن الفرقة وقائدها والتي تفوق فيها علي الفرق الأخري ولكن مازال الفكر الموسيقي هو العنصر المفتقد لديه رغم توافر عناصره من أصوات وآلات موسيقية مما يؤكد ما سبق ان توصلنا إليه في مقالاتنا التحليلية عن أغاني الميدان انها تدخل التاريخ من باب الأشعار وانه مازالت الموسيقي متخلفة عن الكلمة الشاعرة التي تفوقت عليها. وفرقة "عمدان النور" بدأت مشوارها في ميدان التحرير وكانت ضمن الفرق المستقلة التي شاركت بفنها وأغانيها في التعبير عن الغضب الشعبي ثم بدأت تكمل مسيراتها علي المسارح والمراكز الثقافية في سبتمبر عام 2011 والفرقة كما شاهدتها تتكون من 3 مغنيين بينهم الملحن نفسه وتصاحبهم فرقة مكونة من 7 عازفين يعزفون علي آلات القانون والكولة والجيتار الكهربائي والكيبورد والايقاع ومن الواضح ان لها شعرءائها التي تتعاون معهم ويكتبون خصيصا لها أما تسمية الفرقة فهي نابعة من أغنية تحمل هذا الاسم من كلمات الشاعر أحمد حسين وقد اشتهروا بها. البرنامج برنامج الحفل تضمن 12 أغنية منها اغنيتان من الحان سيد درويش هم "الثورجية" و"بلادي" تم تركيب كلمات من واقعنا السياسي علي الحانهما أما باقي الأغاني من الحان يحيي نديم باستثناء أغنية "مدد" من الحان نور ناجح الذي كان زميلا له في فرقة "البحر بيضحك" والتي أيضا أغانيها اشتهرت في وسط الشباب.. وبرغم ان الالحان لملحن واحد إلا انه هناك تنوعاً في الشعراء فاستمعنا لأشعار أحمد جمال واحمد الطحان وسلمي سالم وصالح الكيلاني وزينب زكريا وخالد عبدالقادر وأحمد النجار.. تقريبا جميع كلمات الأغاني تستخدم الأسلوب الساخر الذي يعلن عن الغضب وعن موقف سياسي واجتماعي وايضا عن وعي يذكرك بمدرسة أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام. الأغاني يؤديها المغنيون الثلاثة مجتمعين تامر ومصطفي ويتوسطهما الملحن يحيي نديم وهم أشقاء وخريجو الكليات الموسيقية وكل منهم يعزف آلة مختلفة إلا انهم تركوا العزف وتفرغوا للغناء ولكن غناءهم الثلاثي ليس له مبرر فني فلا نجد تنوعا في الطبقة الصوتية أو يحدث امتزاج أو تناقض كما ان اصواتهم ليست ضعيفة ليساندوا بعضاً بل في المرات القليلة التي استمعنا إلي كل صوت علي انفراد اتضح انها أصوات قوية ومدربة ومختلفة وكل منها لها طبيعة خاصة وتحتاج ان توظف داخل غناء جماعي مدروس يعبر عن هذه الكلمات الرائعة والألحان الأكثر روعة.. وبالنسبة للفرقة الموسيقية لم يتم توظيفها لخدمة الكلمة بل مجرد مصاحبة يمكن الاستغناء عنها والاكتفاء بآلة واحدة ولكن لا ننكر انه كانت هناك محاولات لاعطاء ثراء وتنوع للحفل عن طريق عزف منفرد لكل آلة علي حدة يشكل تقاسيم تظهر مهارة العازف ولكن لا تدخل في تلوين اللحن والأغنية الوحيدة التي تضمنت توظيفا لآلة الكولة التي عزف عليها بمهارة رأفت فرحات اغنية "لحد علمي" التي غناها بمفرده مصطفي نديم وبدأت بعزف معبر إلي حد ما عن الكلمات ومن أجمل الأغاني التي تضمنت فكرة جديدة في الكلمات واللحن أغنية "انزل وارسم علي الحيطان" للشاعرة زينب زكريا والتي اثارت الشجون وايضا اغنية "يادوب بتعيش" كلمات سلمي سالم والتي تضمنت حوارا بين آلتي القانون والكيبورد للعازفين محمد سعودي ومحمد نبيل ولكن هناك تساؤلا لماذا اللجوء للرتم الغربي رغم شرقية الالحان التي لو قيلت بمفردها علي العود لاتضح جمالها وهويتها؟ الفرقة كما سبق ان ذكرت تتميز بالألحان الجيدة ذات الجمل الموسيقية الطويلة والتي أصبحت نادرة هذه الأيام ولا ينقصها إلا استثمار ما تمتكله من مواهب واعتقد انها تعاني قلة الامكانيات التي تقف حائلا أمام معظم الفرق الخاصة ليطوروا من ادائهم الموسيقي ولكن تقديمها فناً جاداً في هذا الوقت العصيب والحرص علي تجنب التقليد يستحقون عليه كل التحية.