خاض الجزائريون معارك ضارية ضد الاحتلال الفرنسي حتي تحقق لهم الاستقلال. وشهدت البلاد - في الفترة التالية - حرباً أهلية بين جماعات المناضلين. لكل وجهة نظرها التي تنتصر لها. وتستهدف إملاءها علي الآخرين. وانعكست تأثيرات تلك الحرب علي المواطنين الجزائريين الذين ناضلوا حتي انتزعوا النصر. وتطلعوا - من بعد - إلي غد أسعد. انعكس توالي الأحداث علي الجميع بالسلب. لم يسلم من الحرب الطاحنة أحد. وإن لحق بالغ الضرر بالمواطنين العاديين. هؤلاء الذين أجهدتهم سنو المعاناة. وتصوروا في انتزاع الاستقلال بداية لتعويض ما فات. وذات يوم. فوجيء الفرقاء المتصارعون بحشود هائلة - قوامها النساء والأمهات - تشق شوارع الجزائر العاصمة. وتهتف من أعماقها: بعد الاستقلال راحات! معني الهتاف أنه تكفي أعوام النضال ضد المستعمر. لتبدأ الراحات. أي الراحة باللهجة الجزائرية! مع الاختلاف الواضح بين ما عاشته الجزائر. وما نعيشه الآن: هل يدفعنا الخطر إلي ترميم الآثار السلبية لما جري. والتطلع إلي المستقبل الذي يطمئن فيه المواطن المصري. وبخاصة المواطن البسيط. إلي أن الزوال الحقيقي للغمة لن يتأكد إلا بالتنبه إلي الأخطار المحدقة. كان التغيير ضرورة. وهو ما تبدي في المناخ العام الذي صنعته الاعتصامات. والإضرابات. وجرائم الاغتيال. والكتابات التي تدين. وتطلب التغيير. وإذا كان الشباب قد شكل طليعة المسيرة التي كانت تتهيأ للبداية. فإن المسيرة قد بدأت - بمبادرة الشباب - وتحقق ما لم يخطر في بال الكثيرين. بل إن البعض ممن حاولوا ركوب الموجة. تأكدوا أن ما حدث هو فعل الشباب. من منطلق إدراكهم لأحوال الوطن. وحرصهم علي أن يجاوز المأساة التي يعانيها. من حق الشباب أن يطمئنوا إلي النتائج الإيجابية لما فعلوا. ومن واجب الجميع أن يسهموا في تعميق هذه النتائج. المتابع لتطورات الحياة في ميدان التحرير يتبين - سواء بالحضور الشخصي. أو بمجرد مشاهدة الفضائيات - أبعاد المسيرة الرائعة التي خرجت في الخامس والعشرين من يناير. وإن لاحت الآن نذر. يكتم الكثيرون تخوفهم من توقعاتها. أخطرها محاولات البعض ممن أفادوا من كل العهود في أن يقطفوا الثمار التي رويت بتضحيات أبناء هذا الوطن. وثمة بعد آخر لهم يهمني أن أشير إليه: إن من يحصلون علي دخول ثابتة. أو تتيح لهم يسر الحياة. يمثلون تكويناً مهماً في المجتمع المصري. لكن هناك تكوينات أخري يمثلها من يعيشون رزق يوم بيوم. أقصد ملايين الحرفيين والباعة الجائلين وذوي المهن البسيطة. بالإضافة إلي الخسائر اليومية للاقتصاد القومي. والتي أفاض خبراء الاقتصاد في عرضها. وذكروا أرقاماً مفزعة! من هنا. فإني أشير إلي ضريبة الثورة التي يجب أن يدفعها الجميع. بداية من الشباب الذين أدوا ما عليهم إلي حد الاستشهاد. وانتهاء بالفئات التي تشغلها - أساساً لقمة العيش - مروراً بالداعين إلي المواصلة. دون أن يدفعوا المقابل لدعوتهم. بصرف النظر عن نبل المقصد. لقد تحقق إنجاز عظيم. ومن المهم أن نحتفظ بهذا الإنجاز.