عندما هزمت الأقطار العربية علي أرض فلسطين في 1948. سمي من لا أعرفه ما حدث بأنه نكبة.. لكن الأوضاع ظلت علي حالها. دون محاولات جادة لمجاوزة تلك النكبة. فلما تكررت المأساة في المتبقي من أرض فلسطين. وفي أراض عربية أخري سمي من لا أعرفه ما حدث بأنه نكسة. وقبل أن نطمئن إلي التسمية وننسي الأمر. بدأ عبدالناصر حرب الاستنزاف متزامنة مع إعادة بناء القوات المسلحة المصرية من الألف إلي الياء حتي تحقق انتصار أكتوبر 1973. وكان العبور هو فعل الإلغاء لتلك المسميات الانهزامية. إذا كانت ثورة 25 يناير تمثل عبورا آخر في حياتنا. تجاوز النتائج السلبية التي تلت انتصار العبور. فإن العودة إلي التعبيرات المنهزمة تحتاج إلي مراجعة قاسية. سألت مذيعة التليفزيون بائعا متجولاً: لماذا اخترت الوقوف في قلب الميدان؟ قال بسرعة وبساطة: الفوضي. أعاد البائع ما يبدو أنه تسمية لحياتنا المعاشة. الكل يتحدث عن الفوضي دون محاولة للتقويم. وإعادة الأوضاع إلي مسارها الثوري. الأمثلة كثيرة. تطالعنا في الشارع. والأسواق وزحام المواصلات وإغلاق الطرق والمؤسسات وتعطيل الإنتاج والتحاور بالسلاح والتحرش الجنسي والعبث بالقوانين والتصرفات الفردية التي لا تعمل حسابا لشيء. قد نلتمس للبسطاء عذرا في تصرفات يغيب عنها الوعي. لكننا لابد أن ندين التجاوز الذي يؤكد الفوضي إن صدر عن شخصية يفترض أن عملها هو إلغاء الفوضي. وتثبيت النظام. من خلال تطبيق القانون. احترام القوانين التي أمضي أبناء السلك القضائي سنوات من حياتهم العلمية في دراستها. هو القسم الذي يتعهدون به قبل أن يتولوا مناصبهم. من حق وكيل النيابة علي سبيل المثال أن يكون له رأيه المستقل في تشريعاتنا المدنية. لكن ليس من حقه أن يفرض رأيه بما يخالف هذه التشريعات والقوانين. وإصدار الأحكام المعبرة عن قناعاته مع أنه لا يمتلك سلطة إصدار الأحكام كالجلد وما شابه. بل إنه يحاول أن يضيف إلي فوضاه الغريبة فوضي أخري بتكليف الشرطة تنفيذ الحكم الذي أصدره. أو مواجهة العقاب حتي لا تكون الفوضي هي تسمية حياتنا في أعقاب ثورة. دفع الآلاف حياتهم ثمنا لها. فإن المراجعة القاسية لابد أن تعيد كل شيء إلي صورته الصحيحة.. قبل فوات الأوان.