تحفيز الشركات الوطنية الكبري أحد أهم حلول الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ ثورة يناير. بما تملكه من استثمارات ضخمة في الداخل والخارج. وما تقدمه من حلول تمويلية نتيجة لوفرة رءوس أموالها. وما تحوزه من خبرات كبيرة بالسوق المحلية والعالمية وقدرة علي خلق فرص عمل جديدة تقضي علي البطالة وتعالج ما تسببت فيه الاحتجاجات والاعتصامات من غلق لكثير من المصانع وتشريد آلاف العاملين وزيادة معدلات الفقر والكساد. أكد الخبراء أن المناخ الاستثماري الحالي غير جاذب للاستثمار نتيجة بعض الإجراءات الحكومية والتشريعات الطاردة. مستدلين علي ذلك بما أثير مؤخرا عن ضرائب أوراسكوم تليكوم رغم أن الأمر لا يعدو كونه خلافا ضريبيا لم يحسم بعد مع وزارة المالية لكنه ألقي بظلاله السلبية علي البورصة فخسرت 13 مليار جنيه في يومين. طالب الخبراء الحكومة ببعث رسائل طمأنة للمستثمرين واتخاذ إجراءات عملية ملموسة تبدد مخاوفهم وتخصيص أراض كافية لإقامة مشروعاتهم بضمانات كافية وعدم المحاسبة بأثر رجعي وتعديل قانون الاستثمار لحمايتهم من التأميم الذي ينص عليه الدستور والالتزام بضوابط واضحة حتي لا يتخذ ذريعة لتصفية الحسابات..المساء طرحت القضية في التحقيق التالي: يقول د.حمدي عبدالعظيم أستاذ الاقتصاد أن الشركات المصرية العابرة للقارات عليها دور وطني كبير في تنمية الاقتصاد في ظل هذه الظروف الحرجة ويمكن الاستفادة من رءوس أموالها الضخمة وما يتوفر لديها من سيولة كبيرة وذلك بحثها علي المشاركة في المشروعات القومية الكبري وتشغيل العمالة المصرية بدلا من هروبها للخارج وتصبح مصر تحت رحمة المستثمر الأجنبي. ولن يحدث ذلك إلا بتوفير عناصر جذب لها خصوصا بعد أن تسرب إليها شعور بالخوف علي أرباحها لكونها رأسمالية وهو ما دعا بعضها للتفكير في نقل استثماراتها للخارج مثلما حدث مع شركة أوراسكوم للاتصالات التي قامت ببيع حصتها في موبينيل للشريك الأجنبي مقابل 6.9 مليار جنيه. أضاف د.عبدالعظيم: علي الدولة أن تعيد النظر في التشريعات القانونية الخاصة بالاقتصاد لتوفير جميع الضمانات التي تشجع المستثمرين علي البقاء بمصر بتقديم مزايا ضريبية أو توفير دعم تصديري للشركات المصدرة والتوسع في تخصيص أراض لنشاطهم بأسعار مناسبة وحمايتهم من التأميم الذي ينص عليه الدستور الجديد والذي يمكن أن يساء استخدامه لتصفية الحسابات وعلي الحكومة أن تبرهن للمستثمرين أنه لا مجال للمنازعات إلا القضاء وليس التلويح باللجوء للنائب العام مباشرة دون التفاوض. أشار إلي أنه لم يقدم حتي الآن بمجلس الشوري تعديل تشريعي لقوانين الاستثمار التي لم تعد تناسب العصر. وعلي أجهزة الدولة أن يكون لديها خريطة استثمارية معتمدة ومعلنة تحدد المشروعات المطلوبة والأراضي الصالحة للاستثمار والتي لا نزاع عليها من أي جهة. فهناك رجال أعمال حصلوا علي أراض وأقاموا مشروعات عليها ثم فوجئوا بقرار سحبها لوجود نزاع عليها مثلما حدث مع أحمد بهجت وهو ما يرسم صورة سلبية للاستثمار في مصر. يؤكد د.مصطفي بدرة "خبير سوق المال" إن الشركات الكبري تتنوع أنشطتها في مصر وتمثل 70% من قوة القطاع الخاص ويؤهلها وضعها للإسهام في إيجاد حلول تمويلية وخطط استثمارية مبتكرة بما يتوفر لديها من وفرة في رأسمالها تتعدي مليارات الجنيهات وما تملكه من خبرة محلية بالسوق. وما تقوم به من صفقات شراء واستحواذ لأصولها المتعددة داخل مصر وخارجها لكنها تحتاج فقط رسائل طمأنة من الدولة التي عليها أن تبذل قصاري جهدها للاستفادة من تلك الطاقات بدلا من خلق "تلاكيك" كما حدث بإحالة رئيس شركة أوراسكوم للنائب العام ومنعه من السفر لمجرد خلاف ضريبي لاتزال مفاوضات بشأنه تجري بين وزارة المالية والشركة. الأمر الذي كبد البورصة 13 مليار جنيه خسائر في يومين وكان الأولي اللجوء للقضاء وليس النائب العام أو انتصار نتائج التفاوض. أوضح د.بدرة ضرورة خلق بيئة استثمارية جاذبة وخلق فرص استثمارية جديدة بعيدا عن المصالح الشخصية. وألا يكون العقاب بأثر رجعي وتطبيق القانون علي الجميع دون استثناء ووجود توافق مجتمعي وسياسي يجعل مصر قبلة لرءوس الأموال المصرية والعربية والمساواة في منح الميزات الاقتصادية وعدم قصرها علي المنتمين للحزب الحاكم حتي لا تنشأ طبقة احتكارية لصناعة أو سلعة معينة وهروب صناعات كثيرة للخارج لعدم وجود أجواء تنافسية. أما د.يمن الحماقي أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس فتري أن الاقتصاد يحتاج للتكامل بين الشركات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة ولن يحدث ذلك إلا بتوفر رءوس أموال كبيرة تمتاز بتوسع جغرافي وعمالة مدربة داخليا وخارجيا وإذا ازدهرت الشركات الكبري فستقوم عليها شركات أخري. لقدرتها علي الاستمرار في السوق لعلاقات أصحابها المتشعبة والعابرة للدول. ولهذا يقع عليها عبء كبير للنهوض بالمرحلة التي نعيشها حاليا. أضاف: الشركات الكبري تقوم بإحداث توازن اقتصادي. إذ توفر جميع المشروعات وتضيف ميزة تنافسية جديدة للاقتصاد محليا ودوليا تتمثل في قدرتها علي التصدير أو العمل بالخارج وتنويع استثماراتها استنادا لقوتها المالية والمعرفية وهو ما نحتاج إليه الآن في مواجهة الإغراق والغزو الاستيرادي المدمر للاقتصاد المصري وخصوصا من البضائع الصينية والبطالة التي تفاقمت بعد الثورة مما أدي لتدهور الأموال الاقتصادية وزيادة الفقراء "40% من المصريين تحت خط الفقراء". أوضح أن هناك ضرورة ملحة لوضع استراتيجية للإفادة من الكيانات الاقتصادية الكبري في مشروعات تروج لها الدولة حاليا وأن تحل مشكلاتها دون إثارة ضجة إعلامية حولها تؤدي لإضعاف الثقة في القطاع الخاص وتشريد آلاف العاملين وتوقف العديد من المشروعات وعلي الدولة أن تناقش ما يخصهم بهدوء وأن تطرح لهم عدة بدائل بدلا من الوصول لحائط مسدود. تحذر د.عالية المهدي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة من هروب رءوس الأموال خارج مصر وبيع الأصول. لأن ذلك سيؤدي لخلل في المنظومة الاقتصادية ويفقدها عنصرا مهما في تنمية الاقتصاد الوطني الذي يعاني حاليا. أضافت د.عالية أن الشركات الكبري تملك القدرة علي تشغيل مشروعات عملاقة دون اللجوء للاقتراض من مؤسسات دولية وعلي رأسها صندوق النقد ولهذا ينبغي فتح مجالات جديدة أمامها لكسب مشاركتها بدلا من انتصار مستثمر أجنبي يمكن أن يأتي أو لا يأتي ويمكن أن يسحب استثماراته في أي وقت وتحت أي ظرف مثلما حدث في أعقاب ثورة يناير. يقول وزير الاستثمار أسامة صالح إن الوزارة تعد حاليا مجموعة الإجراءات من شأنها تذليل العقبات أمام المستثمرين المحليين الذين هم الركيزة الأساسية والعمود الفقري لمجمل الاستثمارات والمحفز الرئيسي لجذب الاستثمار الأجنبي ومنها إجراء تعديلات تشريعية لقانون الاستثمار بما يتيح إمكانية التصالح مع رجال الأعمال. أضاف صالح: أن الخريطة الاستثمارية للفترة المقبلة تستهدف إنشاء 14 مصنعا ضخما بنظام المشاركة بين القطاع العام والخاص. ومشروعيين قوميين هما: تنمية محور قناة السويس. وطريق الصعيد- البحر الأحمر. وهذا لن يتم إلا بمساعدة الشركات المحلية التي تعمل علي تذليل العقبات أمامها. مؤكدا أن بابه مفتوح لأي مستثمر لحل أي مشكلات.