لا مكان للكوابح ولا التابوهات في عصر الإنترنت واليوتيوب ! داخل المملكة السعودية لا يشاهد الناس السينما في دور العرض.. الأفلام تأتيهم حتي دورهم عبر الأقمار الصناعية والأقراص المدمجة "دي في دي" وقليلة جداً الأفلام التي تنتجها "المملكة" سنوياً. معظمها أفلام تسجيلية قصيرة أما الأفلام الروائية الطويلة فهي نادرة. فيلم "كيف الحال" 2006 للمخرج ايزادور مسلم يعتبر العمل الروائي الطويل الأول وقد تم تصويره في الإمارات. وبطلته هند محمد ممثلة أردنية وقد أثار عرضه في بلاد غير بلاده جدلاً كبيراً في الأوساط المحافظة داخل المملكة.. فالفيلم يعالج حياة أسرة يتمزق أفرادها بين التقاليد والحياة المدنية. الفيلم التسجيلي القصير بعنوان "500 كيلو متر" يصور الوضع السينمائي السعودي ببلاغة.. عنوان الفيلم يشير إلي طول المشوار الذي قطعه بطل الفيلم الشاب للوصول إلي البحرين لكي يدخل السينما ويري الفيلم في "دار" خاصة بعرض الأفلام السينمائية. والفيلم شهد عرضه الأول في الإمارات. مرحلة السبعينيات تعتبر الأكثر تساهلاً مع هذا الفن المحرم رسمياً. في هذه الفترة تعددت دور العرض في "المملكة" ولم تعامل السينما كنشاط معاد للدين الإسلامي رغم الموقف الصارم منها بالنسبة للإسلاميين المتشددين. فترة الثمانينات عرضت بعض الصالات السينمائية في مدينتي جدة ومكة وكانت معظم الأفلام مصرية وهندية وتركية وكانت تعرض حسب بعض المصادر من دون تدخل الحكومة وتم اغلاق جميع هذه الصالات بسبب الاعتراضات المتواصلة من قبل المتشددين المحافظين وكنوع من التهدئة السياسية أمام تزايد النشاط "الإسلامي" وما جري من حصار وعدوان عام 1979 الذي دفع الحكومة إلي اغلاق جميع دور السينما وصالات العرض. ومن المفارقات الكبيرة جداً أن القنوات السعودية العربية فضلاً عن مجموعة قنوات روتانا التي يملكها الأمير السعودي وليد بن طلال تعتبر النوافذ السينمائية المفتوحة علي نشاطات سينمائية عربية فضلاً عن الأفلام العالمية التي تصل إلي "الدور" العربية في كل مكان بمن فيهم سكان المملكة العربية السعودية.. الأمير وليد لديه حالياً أرشيف غني جداً من الأفلام المصرية وكذلك المستثمر الشيخ كامل السعودي صاحب قنوات ايه ارت تي "ART) الذي اشتري جزءاً من ميراث السينما المصرية التي لعبت دوراً رئيسياً في حياة الشعوب العربية. صوت المرأة وفي عام 2012 فاجأت هيفاء المنصور جمهور العالم بفيلم سعودي يحمل اسم امرأة "واجدة". الفيلم يعالج قصة تدور أحداثها في السعودية وبطلتها فتاة صغيرة تثور علي التقاليد القادمة للمرأة في هذه المنطقة من العالم. مخرجة الفيلم سعودية نالت قسطاً جيداً من التعليم وسافرت إلي الخارج واشتبكت فكرياً مع الثقافة الغربية وتفاعلت مع هموم المرأة العربية التي لا يسمح لها بأن تتصرف في حياتها كما تريد فضلاً عن التابوهات الكثيرة التي تعوق حريتها. ومن الطبيعي أن تكون أسرة هيفاء متحررة نوعاً من التقاليد الصارمة التي تفرضها الحياة علي المرأة في المملكة السعودية ومن المتوقع أيضاً أن يتعرض والد هيفاء لضغوط كبيرة لم ينصاع لها.. وفي حديث لها مع قناة ال CNN الأمريكية تقول هيفاء التي تعيش خارج بلادها. إنها حين تزور المملكة تشاهد الأفلام علي أقراص مدمجة. حيث ترسل سائق سيارتها بقائمة من عناوين الأفلام إلي المحلات المتخصصة لشرائها. فالنساء ممنوعات من التعامل مع هذه المحلات ولكن ذلك "لم يمنعني من مشاهدة الأفلام وإنما شجعني وملأني بالرغبة أن أريهم بأنهم لا يمكنهم أن يعاملونا علي هذا النحو.. أردت أن يكون لي صوت مسموع". وحسب قناة العربية يوجد 12 مليون مستخدم لشبكة الإنترنت في السعودية "تعداد السعودية 27 مليون تقريباً" وهناك 90 مليون متصفح يومياً علي اليوتيوب وهذا الانتشار المدهش والسريع في استخدام الإنترنت يمكن تفسيره بسبب منع دور العرض السينمائية. حيث صارت شبكة التواصل الاجتماعي التي يستخدمها المخرجون السعوديون الوسيلة المتاحة لإيصال أفلامهم إلي الجمهور. محمد مكي Makki من المخرجين الذين يستخدمون عن عمد وسيط اليوتيوب لعرض أفلامه وعرض حلقات المسلسل الذي قام باخراجه بعنوان تاكي "Takki). وقد أعلنت وكالة انترناشونال بيزنس تايمز "IBT) في تقرير لها أن الحلقة الأولي شاهدها أكثر من مليون شخص علي اليوتيوب في غضون ثلاثة أشهر والحلقة الثانية والثالثة حققت 700 ألف متفرج لكل حلقة وذلك خلال شهر. والمسلسل "تاكي" يتابع حكاية مجموعة من الشباب اثناء قيامهم باخراج فيلم في جدة علي شاطئ البحر الأحمر إنه عمل يتكون من حلقات محدودة ويتناول الصعوبات الكبيرة التي تواجهها النساء في السعودية. وقد تعمد صناع المسلسل أن يخالفوا بعض القواعد اثناء تصويره ومنها عدم تصوير النساء والرجال معاً حتي لا يتعرضوا لجماعات "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أي إلي الشرطة الدينية. يقول المخرج: لقد قدمنا موعد التصوير. ولم نتوقف لكي نحصل علي تصريح رسمي لأن ذلك يستغرق وقتاً طويلاً. ويري بعض الكتاب أن هناك اتجاها لدي المخرجين الشبان في دول الخليج لاستخدام الإنترنت كوسيلة سريعة لعرض أفلامهم من دون اللجوء إلي الحكومة للموافقة علي عرض أفلامهم في دور العرض. السينما المحلية في المملكة السعودية ليس لديها سوي نصير واحد فقط يساندها ويفتح أمام بعض السينمائيين من ابنائها نوافذ للتواصل عبر الأفلام إنه الوليد بن طلال الذي يمتلك قنوات روتانا. وهو الذي شارك في تمويل فيلم "واجدة" الذي قامت باخراجه هيفاء المنصور بالمشاركة مع ألمانيا والسويد. ويري البعض أن وجود الوليد كرأسمالي واسع الثراء مؤمن بالسينما وداعم لها. يشكل أملاً أمام السينمائيين السعوديين وبأن السينما سوف تصبح نشاطاً مقبولاً في السعودية بعد سنوات قليلة وهناك اشاعات قوية تؤكد أن دور العرض في السعودية سوف يعاد فتحها. فرصة عظيمة تقول هيفاء المنصور لمجلة "سكرين ديلي": أشعر أن السينما سوف تتقدم في المملكة وأن ثمة فرصة عظيمة أمام الشعب لاستقبال مفاهيم جديدة في المجتمع تفتح الباب لمسار مختلف في تاريخ المملكة السعودية. ولم يعد من الممكن بعد التطور المتلاحق للتكنولوجيا ووسائل الاتصال أن تستطيع قوة مهما بلغت أن تلغي المتعة البصرية التي توفرها الفنون ومنها السينما ولا يوجد بيت سواء في المملكة "مرتع التزمت الديني" أو في أي بقعة أخري فوق كوكب الأرض يستطيع أن يمنع ابناءه من الفرجة علي منتجات العالم من فنون السينما بعد أن صار العالم صغيراً. وصارت الأجيال الصغيرة التي تفتحت مداركها علي انجازات الدول المتقدمة وأصبحت تستهلك أحدث منتجاتها من وسائل الترفيه والتواصل. صارت من عشاق السينما ومن المتطلعين إلي الضلوع في نشاطاتها.. كاميرات التصوير الرقمية المتقدمة صارت في يد جميع الشبان في دول الخليج.. والهواة موجودون داخل كل بيت. والأفلام المستقلة البعيدة عن كوابح الرقابة تنتشر في السعودية بين الشباب والصبيان.. إن الكوابح إلي زوال والسينما سوف تتقدم وبدون رقابة. فقد عرف الشباب كيف يتحايلون ويسجلون بكاميراتهم الخفية والظاهرة كل أشكال النشاط الإنساني ومنها ما تمارسه قوي الكبح والقمع والتعذيب بحجة الحفاظ علي الدين والتشبث بأعناق وعقول البشر ورغم البوليس "الديني". والشرطة "الأخلاقية" وجماعات "الفضيلة" ورغم التحريم والتشدد عموماً. سوف يعلو صوت الإنسان وصوت المرأة في المقدمة..