الممثلة الأمريكية آن ماثواي "30سنة" وهي تتسلم جائزة الاوسكار في الحفل الذي أقيم 24 فبراير الماضي متفوقة بذلك علي الممثلة سالي فيلد التي كانت مرشحة لنفس جائزة احسن ممثلة مساعدة قالت وقد غلبها الانفعال: أتمني ان تكون التعاسة وسوء الحظ الذي عانت منه "فانتين" قاصرة فقط علي القصص الروائية وليس في الحياة الواقعية. و"فانتين" اسم الفتاة الشقية التي أبدعها الروائي الفرنسي فيكتور هوجو في روايته "البؤساء" التي اشتهرت جدا واعتبرها النقاد أهم وأشهر روايات القرن التاسع عشر.. وكذلك صارت "فانتين" من أشهر النساء اللاتي تحولن إلي نموذج يعاد انتاجه في كثير من الاعمال الفنية. واعني نموذج "المومس الفاضلة" أو "الأم القديسة". ومن فيلم البؤساء في طبعته الموسيقية الاخيرة قامت الممثلة آن هاثواي بدور هذه السيدة التي دفعتها قسوة الحياة والمجتمع وغلظة قلوب بعض البني آدمين إلي ان تبيع شعرها وأسنانها حتي اضطرت أن تبيع جسدها لكي تنفق علي ابنتها. وصف فيكتور هوجو "فانتين" بأنها المرأة التي تمتلك الذهب واللؤلؤ كعطية "قهر" لمن يتزوجها ثم قال شارحا: الذهب في عقلها واللؤلؤ في فمها. وأنها جميلة بطريقين.. وجاهة الشكل ورشاقة الحركة.. عرفت هذه المرأة الحب وقاست من الخداع. هجرها من أحبته ووثقت به بعد ان ترك لها طفلة في أحشائها. وحين عهدت الطفلة إلي أسرة خدعتها وأستحلت الاموال التي كانت ترسلها بعدكد وكفاح مريرين أنكرت "فانتين" احتياجاتها الضرورية وعاشت بأقل القليل حتي أصابها الهزال والمرض ثم ماتت فقدت وظيفتها كعاملة في المصنع ودفعها الفقر أن تبيع نفسها إلي من لايرحم حتي تواجه طلبات الاسرة التي تربي ابنتها ولعبت الممثلة آن هاثواي دور "فانتين" باقتدار ومهارة تمثيلية فائقة وقبل ان تشرع في أدائه اضطرت لعمل نظام غذائي يفقدها الكثير من وزنها حتي تقترب من هذه الشخصية. المرأة التي تتفاني حتي الموت بينما تواجه أقسي الظروف المعيشية وتعاني من أسوأ الخصال البشرية لاتجد من يخفف عنها في ظروف مجتمع يعاني بدوره من التفكك والفساد والاستبداد السياسي ويتأهب شبابه لثورة أصبحت من اشهر الثورات في التاريخ وأعني الثورة الفرنسية هذه المرأة لاتوجد فقط في الحكايات الخيالية مثلما تمنت الممثلة التي فازت بالاوسكار عن ادائها لهذا النموذج.. وإنما فتش عن "فانتين" في العشوائيات سوف تجدها بالالاف. وفتش عنها في المستشفيات الحكومية ولن تغلب في العثور علي شبيهات "فانتين" لقد قاومت الفقر ولم تقو علي المرض وماتت. هزمها الجميع. المجتمع والناس. ولن تهزم أمومتها. لقد ضحت بكل شي تملكه.. الجسد والكرامة والكبرياء والجمال من أجل توفير حياة آمنة لابنتها. وتحولت "فانتين" إلي نموذج انتشر في أدب القرن التاسع عشر وظهرت شبيهات لها في كتابات لوستيوفسكي وتولستوي وفي أدب شارلز ديكنز وقدمها أوسكار وايلد كامرأة زادها العذاب جمالا ووصفها كثيرون بأنها المرأة التي أذلتها الظروف من دون ان تنل من نقاء روحها وفقد واجهت الكراهية والقسوة بالحب والعمل والتفاني. ومن أكثر المشاهد تأثيرا في فيلم "البؤساء" تلك التي صورت موت "فانتين" بعد مشوار صعب مع الحياة.. والصعوبة هنا تأخذ اشكالا متنوعة من المهانة والاذلال والضعف.. فلو "كان الفقر رجلا لقتلته" ولو سكنت القسوة والترويع والظلم المجتمع الذي نعيش فيه. إذن فلا مفر من الثورة حتي تنهار اركانه ويعاد بناؤه علي العدل والكرامة والانتصار للإنسان.