ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت وغيرهما من مواد البناء يهدد بركود شديد في قطاع العقارات الذي يشهد تراجعاً كبيراً بعد ثورة يناير. فالحديد زادت أسعاره ثلاث مرات متتالية ليصل حجم تلك الزيادة لنحو 530 جنيهاً مطلع فبراير الجاري. حتي بلغ سعر الطن للمستهلك 5500 جنيه كما وصل سعر الأسمنت لنحو 600 جنيه للطن. ولأن قطاع العقارات ترتبط به مهن وحرف كثيرة يقدرها البعض ب90 ويعمل به نحو 6 ملايين عامل فهو من الأعمدة الأساسية للاقتصاد ومن ثم فإن الزيادة العشوائية في الأسعار تلقي بظلال كثيفة وتؤثر سلباً علي الاقتصاد المصري. الخبراء أرجعوا الزيادة الأخيرة في أسعار الحديد وغيره إلي ما تشهده مصر من عدم استقرار سياسي وتراجع الجنيه أمام الدولار وقرار الحكومة بفرض رسوم حماية علي الحديد المستورد وهو ما استغله كبار الوكلاء والمنتجين في تعطيش السوق لرفع الأسعار حتي تراجعت حركة البيع العقاري بمعدل 30% مقارنة بما كان عليه الحال قبل عامين. "المساء" استطلعت آراء الخبراء في التحقيق التالي: يقول المهندس إسماعيل عثمان الرئيس السابق لشركة المقاولون العرب ونائب رئيس شعبة مقاولي البناء والتشييد ارتفاع أسعار مواد البناء يزيد من تكلفة إنشاء السكن لأنها تمثل 40% من مكوناته وهناك عوامل كثيرة أضعفت السوق العقارية التي يضم 90 مهنة وصناعة توقف معظمها بسبب الظروف التي تشهدها مصر. الأمر الذي خلق حالة ترقب خاصة لدي المقاولين وأري أنهم لن يصمدوا كثيراً بسبب الغموض وصعوبة الموقف وكثرة المشكلات التي تقابلهم. أضاف عثمان: الشباب هم أول ضحايا ما يحدث وخصوصاً المقبلين علي الزواج الذين يحتاجون للسكن لإتمام زواجهم فكل المؤشرات تؤكد أن الأسعار لن تنخفض رغم حالة الركود الشديد. بل علي العكس سوف ترتفع بنسبة كبيرة خصوصاً أسعار الحديد في ظل ضعف قيمة الجنيه أمام الدولار. أما صلاح دياب مهندس استشاري وعضو مجلس التشييد والبناء سابقاً فأكد أن أي زيادة في أسعار مكونات الإنشاء تنعكس علي التكلفة الكلية للوحدة والمشكلة الأساسية في مصر هي استخدام نمط واحد في الإنشاء في جميع أقاليم الجمهوورية. وهو الهيكل الخرساني المسلح الذي يعتمد علي الحديد والأسمنت بشكل أساسي وذلك أمر خاطئ وينبغي طبقاً لتوصيات المركز القومي لبحوث البناء والإسكان الاستغناء عن هذه المواد في مناطق كثيرة فهناك خريطة جغرافية لمواد بناء بديلة وآمنة تغير من أساليب الإنشاء التقليدية وتستخدم المواد المحلية في التنظيم المعماري والإنشائي في هذه الأقاليم مثل استخدام التربة المحلية ونسبة من الأسمنت والاستغناء عن الحديد وتسمي هذه الخامة ب"التربة المثبتة" وأيضاً استخدام البوص كتسليح للجبس بدل الحديد وألواح الخشب والبناء بطرق القباب للأسقف. وهي طرق مستحدثة غير تقليدية وأقرتها جهات علمية وتغني عن الحديد والأسمنت ولا تكون عرضة لتأثيرات الأسعار العالمية للحديد وغيره. يؤكد أحمد فكري مدير تسويق بإحدي شركات السمسرة العقارية أن عدم الاستقرار الذي تشهده الساحة المصرية والركود الشديد يلقيان بظلالهما علي جميع قطاعات الدولة وخاصة في قطاع العقارات فثمة زيادة متوالية غير مبررة في أسعار الحديد ومواد البناء بشكل مستمر وصلت لذروتها مع فرض رسوم حماية جمركية علي استيراد الحديد وهو ما استغله كبار الوكلاء والمصانع المنتجة في رفع الأسعار مما يزيد حالة الركود في سوق العقارات بيعاً وشراء لخوف المقاولين وملاك العقارات من البيع في هذا الجو الضبابي في ظل انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار وهو ما ينعكس علي تقليص مدة التقسيط لتتراوح بين 4 و5 سنوات بعد أن كانت تمتد ل10 سنوات خوفاً علي أموالهم من استمرار تدهور قيمة العملة. أضاف فكري: تختلف أسعار المساكن بحسب المنطقة فالتجمع الخامس يصل فيه سعر المتر إلي 3 آلاف جنيه وفي المعادي الجديدة 2500 جنيه وزهراء مدينة نصر 1250 جنيه وجسر السويس 1100 جنيه وقد تراجع الطلب علي الشراء بمعدل 30% عما كان عليه قبل عامين. يوضح محمد عليوة مسئول تسويق عقاري بإحدي الشركات أن السوق العقارية تسير من سيئ لأسوأ وأصبحنا نحقق خسائر كبيرة حتي نستمر في السوق علي أمل أن تتحسن لكن التوقف عن البناء والشراء هو سيد الموقف مع ارتفاع أسعار الحديد والأراضي بهذا الشكل. أضاف: نقوم بتقليل المقدم للسكن حتي أنه يمكن تملك أحد العقارات السكنية بمقدم 20 ألف جنيه في أحياء راقية مع تقليل مدة التقسيط وعمل أنظمة متعددة ومختلفة لعلها تكون مخرجاً لإنعاش ركود السوق. أوضح أن هناك نظاماً جديداً فيما يخص مساكن الشباب بمد القسط حتي 20 عاماً لكن لابد من دفع 80% من قيمة الشقة بزيادة سنوية 5% وهذا يجعل سعر الشقة "مساحة صافية 63 متراً مربعاً" يتراوح بين 120 و140 ألف جنيه أما بالنسبة للمساحات الكبيرة "130-180م" فإن المقدم في حدود 100 ألف جنيه ويتراوح القسط الشهري بين 4000 و5000 جنيه. أكد أن أهم المشكلات التي ستواجه التسويق العقاري في مصر هي تحول شركات ومقاولي بناء كثيرين إلي التسويق للمستهلك تجنباً للمخاطر وهو ما يسهم في نقص العقارات المعروضة للبيع. قال فكري إن الزيادة الأخيرة في أسعار الحديد دفعت شركات التسويق لزيادة سعر المتر بمبلغ يتراوح بين 20 و50 جنيهاً لكل متر بالوحدة. يقول إبراهيم صالح مدير إحدي شركات المقاولات إن الضربات تتوالي علي القطاع العقاري الذي كان جاذباً لشركات عربية وأجنبية وصار الآن شبه متوقف رغم توفر العرض "الوحدات العقارية" بشكل كبير فلا يوجد شراء سوي من الشباب المقبل علي الزواج. أكد أن قرار الحكومة بفرض رسوم حماية علي الحديد المستورد جاء بنتائج عكسية زاد المشكلات ورفع أسعار الحديد بشكل غير مبرر وطالب بسرعة فتح باب استيراد الحديد مرة أخري لخلق توازن في السوق وإنقاذ القطاع العقاري وبدراسة القرارات جيداً قبل إصدارها ومعرفة تداعياتها علي القطاعات الاقتصادية المختلفة. يوضح محمد عبدالرحمن صاحب شركة مقاولات أن سوق العقارات أحد أهم مقومات الاقتصاد المصري ومن ثم فإن انكماشه وركوده يؤثر بشكل مباشر علي قطاعات كثيرة بالدولة لارتباطها به حيث إنه وعلي مدي سنوات كان القائد والركن الأساسي في التنمية الاقتصادية لكن بعد الثورة تدهور الاقتصاد وحدث عدم استقرار لأسواق الحديد وزيادة الأسعار بشكل ينهي أي آمال لإنعاشه علي المدي القريب. أضاف عبدالرحمن: هناك عوامل أخري مؤثرة علي سوق العقارات منها الزيادة الكبيرة في سعر الدولار مقابل الجنيه وأسعار الطاقة بعد رفع الدعم عنها فضلاً علي عدم الاستقرار وغياب القانون والضعف الأمني وهو ما أدي إلي خروج المقاولين والمستثمرين الأجانب من السوق وتحول بعض شركات المقاولات المحلية لأنشطة أخري مثل تشطيبات المباني بدلاً من بنائها خوفاً من المخاطرة برأسمالها كما توقف البعض الآخر ترقباً لما هو آت.