الجديد الذي حدث في سوريا خلال الساعات الماضية هو تعيين والي تركي للمناطق الحدودية التي نزح لها اللاجئون السوريون بما في ذلك بعض المناطق السورية بحجة رعاية هؤلاء البائسين انسانيا فإذا أضفنا إلي ذلك تلك الإمارة الإسلامية التي أعلن تأسيسها من يسمون بالمجاهدين في "بابا عمرو" وما حولها نكون قد وضعنا أيدينا فعلا علي بعض ملامح خريطة سوريا بعد التقسيم وخاصة إذا علمنا أن هذه الإمارة تم انشاؤها تحت اشراف جماعة من الضباط الفرنسيين المتواجدين علي أرض الشام بدون أي سبب قانوني تماما مثلما تتواجد عناصر مخابراتية وعسكرية تركية في المنطقة السورية المتاخمة للحدود التركية التي تم تعيين حاكمها أخيراً!! وهكذا يتأكد أن ما يحدث في سوريا ظاهره ثورة شعب لإسقاط نظام بشار الأسد الديكتاتوري الفاسد وباطنه تقسيم سوريا إلي دويلات طائفية لو تحت راية أي نظام حكم تابع للتحالف "الصهيو صليبي" بالتعاون مع تركيا وبمساعدة طوائف وجماعات تتستر خلف الدين والوطنية. ولعل الأمر يكون أكثر وضوحا إذا عدنا لتصريحات الجنرال الأمريكي المتقاعد "ويسلي كلارك" القائد السابق لحلف شمال الأطلسي التي تداولتها وسائل الاعلام أخيراً إذ جاء فيها أن البنتاجون الأمريكي وضع مخططا عام 2002 بتوجيهات من الإدارة الامريكية في ذلك الحين لاحتلال أو السيطرة النهائية علي سبع دول بمنطقة الشرق الاوسط بالتدخل العسكري المباشر أو باحداث اضطرابات تؤدي إلي فوضي ينتج عنها ان تتحول هذه الدول الي "كنتونات" يتحكم فيها موالون لأمريكا وحلفائها. يقول ويسلي كلارك إن أحد أصدقائه من جنرالات البنتاجون أخبره بعد عشرة أيام فقط من احداث 11 سبتمبر أن الادارة قد قررت "الاجهاز" علي سبع دول بالشرق الأوسط خلال 5 سنوات وأن هذه الدول تشمل العراق. لبنان. الصومال. السودان. ليبيا. سوريا ثم ايران لأسباب استراتيجية واقتصادية. ويضيف أنه لولا المقاومة التي لم تكن أمريكا تتوقعها في العراق ثم لبنان وظروف داخلية وخارجية لم توضع في الحسبان لكانت الخطة قد تم انفاذها بشكل كامل وإن كانت قد حققت بعض ما تصبو إليه بشكل معقول حتي الآن وذلك كله بالتعاون مع عملاء وحلفاء وأصدقاء أمريكا بالمنطقة علي حد تعبير الجنرال كلارك. ويتفق مع ما ذهب اليه الجنرال الامريكي تماما خبير الشرق الأوسط المتميز الصحفي الفرنسي "تيري ميسان" الذي صرح أخيرا بأن أمريكا وحلف شمال الاطلسي حضروا للحرب ضد سوريا منذ عام 2001 وأن اتهامات سوريا بقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري كانت البداية لاطلاق شرارة هذه الحرب. يؤكد "تيري ميسان" أن هناك اسباباً استراتيجية واقتصادية بحثت لهذه الحرب منها أمن اسرائيل والاستيلاء علي مخزون الغاز المكتشف في سوريا وبالتحديد في المنطقة بين حمص ودمشق كبديل للبترول الذي بدأ ينفد في السعودية وغيرها وخاصة ان سوريا تحتل المركز الثامن في تصدير الغاز عالميا في الوقت الراهن. يضيف "ميسان" أن فرنسا وتركيا تلعبان دورا حاسما في تنفيذ هذا المخطط الاولي لأسباب استراتيجية منها العودة للشرق الأوسط كلاعب أساسي وأسباب اقتصادية تشارك فيها أمريكا بعد درس العراق الذي خرجت منه خالية الوفاض والثانية لاسباب استراتيجية منها السيطرة علي المنطقة الحدودية التي تعتبر فناء خلفيا لأكراد تركيا الذين يمثلون معضلة لأي حكومة تركية بالاضافة الي تحقيق مكاسب أخري في المنطقة بعد اتجاه تركيا الاستراتيجي والاقتصادي للمنطقة العربية. ويشير "تيري ميسان" إلي أن جماعات طائفية في سوريا وغيرها عقدت اتفاقيات سرية مع الولاياتالامريكية وغيرها خلال السنوات القليلة الماضية لاستغلال غضب الشعوب علي حكامها لاسقاط الأنظمة التي تعيق تنفيذ هذا المخطط أو التي لم تعد صالحة لتنفيذه واستبدالها بحكومات وأنظمة جديدة لاتتعارض مصالحها مع مصالح الغرب وأولها أن اسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية من خلال إعادة تشكيل المنطقة وضم بعض الأراضي الفلسطينية إلي دول أخري تحت مسمي الاتحاد الفيدرالي أو غيره وثانيها تدفق البترول والغاز للغرب دون عوائق وباسعار تفضيلية وثالثها فتح الاسواق في المنطقة للاستثمارات والشركات الغربية علي مصراعيها تحت مسمي مشروعات التنموية!! ويقول ميسان إن الخطورة تكمن في أن انفاذ هذه الخطة قد يتطلب إعادة رسم خريطة المنطقة كلها وتقسيم بعض الدول الكبيرة وهو ما حدث فعلا في الصومال والسودان وجاري تنفيذه في ليبيا الآن "فزان. برقة. طرابلس" وأن الأخطر هو ان ذلك يتم باستغلال الثورات الوطنية بموجب هذه الاتفاقيات السرية مع بعض الجماعات الطائفية المتنفذة في هذه الدول وخاصة ان هذه الثورات خرجت عشوائية أو تلقائية دون قيادة أو خطة مما سمح للآخرين بالسطو عليها وتوظيفها لتدشين الشرق الاوسط الجديد. وعليه يمكننا القول دون مبالغة أن الأسباب الموضوعية لانفجار الثورات العربية شيء لا يمكن التشكيك فيه ولكن المشكلة هي النتائج التي سوف تسفر عنها هذه الثورات بفعل هذه المؤامرة والاتفاقيات السرية التي خطط لها منذ زمن بعيد. ان الثورات العربية حق ولكن توظيفها لخدمة خطط ليست في صالح الشعوب التي خرجت لترفع عن كاهلها الظلم والجور والفساد ويكفي أن علم الاستعمار الفرنسي لسوريا بات هو العلم المعتمد لدي قطاعات كبيرة من الجيش الحر في أرض الشام بالاضافة إلي اعلام أخري ثانوية كعلم القاعدة امريكية الصنع وغيرها من التنظيمات التي أنشأتها اجهزة المخابرات الغربية قديما أو حديثا في المنطقة للتخديم علي المصالح الاستخباراتية تحت راية الوطنية أو الدين أو أي شيء آخر. الخلاصة أن ما يحدث في سوريا وغيرها من دول المنطقة ثورة مختلفة بأشياء أخري كثيرة يجب ان يتنبه لها الشرفاء من أبناء هذه الشعوب قبل ان نصحو ذات يوم لنجد خريطة جديدة للشرق الاوسط هي معادل موضوعي لخرائط سايكس بيكو قد تكون أشد خطرا علي المستقبل القريب والبعيد.