توقعت أحداثاً دموية بسبب المادة العاشرة من الدستور وكتبت ذلك مراراً.. ولكن وبحق لم أكن أتوقع أن يتم تفعيل هذه المادة وظهور نتائجها السوداء بتلك السرعة الصاروخية.. ويبدو اننا سنري تجسيدا حيا ومرعبا لها خلال ساعات.. مع إشراقة العام الجديد. أقول ذلك بمناسبة البيان الذي أعلنته "جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" بشمال سيناء وطالبت فيه أصحاب فاترينات السجائر وتجار المخدرات بالتوقف فوراً عن بيعها وإلا كان العقاب شديدا.. وحذرت من أن هذا البيان هو إنذار أول وأخير للمفسدين في الأرض المخالفين لشرع الله وانه لن يكون هناك إنذار ثان بل ستقوم الجماعة بهجمات قوية عليهم..!!! هذه الجماعة تستند في نشأتها وعملها إلي المادة العاشرة من الدستور الجديد والتي تنص علي "وتحرص الدولة والمجتمع علي الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية وعلي تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها".. وضعوا مليون خط أحمر تحت كلمتي "المجتمع" و"حمايتها". بداية.. لا أحد ضد شرع الله. ولا أحد ينفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنهما ثابتان بالقرآن والسنة.. ولكن السؤال: من هو المسئول عن محاسبة المخالفين لشرع الله وعن تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..؟؟ هناك فرق كبير بين الدعوة والمحاسبة.. فالدعوة التي هي بالحسني والمجادلة بالتي هي أحسن يختص بها علماء الدين في المساجد والمنتديات وعبر وسائل الإعلام المختلفة.. وأيضاً عموم الناس داخل أسرهم ومحيطها تطبيقا لقوله تعالي في الآية 110 من سورة آل عمران: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..". أما الحساب أو تغيير المنكر كما ورد في الحديث الشريف: "من رأي منكم منكراً فليغيره بيده. فإن لم يستطع فبلسانه. فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الايمان". فإن هذا التغيير نوعان: الأول.. باليد ومختص به الحاكم أو من يفوضه فقط. والثاني.. باللسان والقلب وهو للدعاة وعموم الناس. بالتالي.. لا يحق لإنسان أن يغتصب سلطة الحاكم لنفسه ويغير منكراً بيده هو وإلا تحول المجتمع إلي فوضي. من هنا.. فإن بيان من تدعي جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشمال سيناء إن كان صحيحاً هو انقلاب علي الشرع والشرعية وتفسير مغلوط للقرآن والسنة النبوية وافتئات علي الحقيقة وتضليل وقهر للناس لأغراض دنيوية. أولي بهؤلاء وغيرهم ممن سيظهرون مستقبلا أن يطالبوا رئيس الدولة الذي هو ولي الأمر بأن يحث السلطة التشريعية علي سن قوانين تحرم وتجرم كل ما يخالف شرع الله مثل المخدرات والخمور والفوائد الربوية للبنوك.. وبالتالي.. يكون هو والحكومة ملتزمين بتنفيذها.. إذ كيف يحاسب ويعاقب إنسان مثلاً علي شرب أو بيع أو شراء أو نقل أو صناعة الخمور والقانون لا يجرم ذلك..؟؟ إما أن تنصب كل مجموعة نفسها حكاما وقضاة وجلادين في آن واحد.. فإن هذا لن يكون.. وسوف يواجه عنفها بعنف مضاد.. وأشد مهما كانت النتائج والتوابع. علي الدولة أن تنتبه إلي مثل هذه البيانات والجماعات حتي لا يأتي علينا يوم نري فيه الشوارع وقد تحولت إلي بحور دم وخرج الشعب ثائرا في الميادين يطالب ولي الأمر بحل الميليشيات المسلحة التي تشكلت تطبيقا للمادة العاشرة من الدستور.. مثلما حدث أمس الأول في بنغازي بليبيا. اللهم احفظ مصر وشعبها من كل سوء.