بعد صلاة الفجر من كل يوم تجدهم منتشرين في الميادين العامة بالعريش ومدن المحافظة ينتظرون مجيء أحد المقاولين للذهاب معه إلي العمل في المعمار أو إنشاءات المباني كعمال يومية. أعدادهم تتراوح ما بين 3 آلاف إلي 4 آلاف عامل. ومعظمهم من محافظات الصعيد. موزعين علي مدن المحافظة. العدد الأكبر منهم يقطن مدينة العريش عاصمة الاقليم. وراء كل منهم حكاية. القاسم المشترك فيما بينهم هو التهميش في ظل نظام جثم علي صدور العباد طيلة 30 عاماً. معظمهم تخطي الستين من العمر. وبينهم من هم في ريعان الشباب. والأغرب أن أكثرهم يحملون تعليما جامعيا أو علي الأقل تعليما متوسطاً. جمال حسن محمود من محافظة قنا. جاء إلي العريش كعامل يومية منذ عام 99 بعد ان ضاق الحال عليه في بلدته أبودياب بمركز دشنا. فقد كانت حياته مستقرة بعد ان جمع مبلغاً كبيرا من المال نتيجة عمله في العراق في أوائل الثمانينيات. ويوم ان قرر العودة إلي حضن الوطن وافتتاح محل تجاري لخدمة أهل القرية التي يقطنها. حاصره الروتين الحكومي والفساد والضرائب. أضافة إلي المشاكل العائلية التي تشتهر بها قري الصعيد. ليعود إلي نقطة الصفر مرة أخري عام 96. وحاول علي مدار ثلاث سنوات الوقوف علي قدميه والعودة إلي تجارته. لكن كل محاولاته باءت بالفشل ليأتي إلي العريش عاملا باليومية. ليس هذا فحسب بل معه ثلاثة من ابنائه حملة المؤهلات العليا. ناحتين في الصخر من أجل جنيهات قليلة تسد جوع الأسرة. الثورة جاءت لتقسم ظهر عم جمال. فكما يقول ان الحال وقف بعد الثورة. فقبل الثورة كنا نجد عملا بصفة يومية. أما الآن فتمر علينا اسابيع ولا نجد عملا. لأن البناء قد توقف عقب الثورة. والأمور غير مستقرة. فقد كانت هناك انشاءات لمشروعات لرجال أعمال قبل الثورة كنا نعمل بها. أما الآن فالإنشاءات متوقفة. وحالنا واقف. عم جمال حلمه بسيط يتمني أن يرحم المسئولون هرمه وشيخوخته. ويصدقوا له علي كشك يقتات منه هو وأولاده بدلا من المهانة التي يعيش فيها. يضيف نجله ابراهيم الحاصل علي بكالوريوس خدمة اجتماعية عام 94 إنه حصل علي فرصة عمل كمدرس في مدرسة الصناعات بقنا. وبعد شهرين تم إلغاء التعاقد معه بدعوي عدم وجود مخصص مالي "البند لا يسمح" فاضطر إلي المجيء إلي العريش كعامل يومية يعاون والده في مصروفات الأسرة. مؤكداً أنه يظل يعمل لثلاثة أشهر متتالية وربما أكثر حتي يمكنه جمع مبلغ من المال والعودة إلي إسرته وقضاء عدة أيام معهم. ثم العودة إلي العريش مرة أخري. يضيف انه يعمل في الخرسانة والصبة. وكيف لا وهو في رقبته أسرة مكونة من زوجته وخمسة اطفال صغار. وللأسف والكلام علي لسانه انه يظل أياماً كثيرة بلا عمل بسبب كثرة العمال وقلة الاعمال. نموذج آخر من الشباب المكافح الذي لم يضع يده علي خده في انتظار وظيفة حكومية وقرر ان يواجه البطالة بعد حصوله علي دبلوم الصنايع فعمل كعامل يومية. هو عبدالعاطي مرسي ابن محافظة قنا. والمقيم حاليا بمحافظة السويس بعد زواجه. يقول مرسي حصلت علي دبلوم الصنايع عام 98. ونظراً للبطالة قررت خوض غمار العمل إلي ان حل بي المقام بالعريش منذ 11 عاما كعامل يومية. وللأسف الأحوال كانت قبل الثورة معقولة. أما الآن فلا يوجد عمل فأصبحنا نعاني البطالة. قال لي بمرارة "بنجري ورا الشقا والتعب.... وموش لاقيينه" فنحن نعيش أوضاعا صعبة للغاية. بالكاد نوفر قوت يومنا. نظل ننتظر أن يأتي أحد للذهاب معه إلي يومية. وتطول ساعات الانتظار. لنعود مرة أخري إلي البيت الذي نسكن فيه كما خرجنا منه أول النهار. سألته عن البيت الذي يسكنونه فقال ضاحكا: معظمنا يسكن في منازل في اطراف الاحياء مبنية بالطين. أو منازل قديمة. الايجار يكون للغرفة الواحدة فالغرفة مثلا يسكن فيها 11 فرداً ويتراوح إيجارها ما بين 150 إلي 200 جنيه. والغرفة هي مكان المعيشة والمطبخ. فكل فرد يأكل منفرداً. باستثناء إذا كان اثنان أو أكثر من أسرة واحدة فإن طعامهم يكون سوياً. وغالبا وجبة الطعام تكون الفول والطعمية. فنادرا ما يتم الطهو في المنزل. والمنزل أثناء الامطار لا يمنع تساقط المطر علينا. فلك ان تتخيل أننا لا نستطيع النوم وقت المطر لانه ينهمر حولنا. ويكون نومنا من وضع الجلوس. قال: الغرف يتم تأجيرها بدون أي عفش. ويقوم مستأجروها بشراء حصيرة للجلوس والنوم عليها. وتجد من يعيش فيها ينام أحيانا بلا غطاء فهو لا يملك ثمن بطانية تقيه البرد. محمد ريان خليفة من محافظة أسيوط قال إن معظم عمال اليومية من محافظات الصعيد خاصة قنا وسوهاج وأسيوط وعددهم من 3 آلاف عامل إلي 4 آلاف عامل. ويعملون باليومية في الإنشاءات والصبة والخرسانة. فالمعتاد ان يأتي المقاول كل صباح إذا كان هناك عمل ويختار مجموعة للعمل معه نظير 60 جنيها هي يومية العامل. وغالبا الاختيارات تكون لصاحب البنية القوية الذي يتحمل العمل طوال النهار. ومن يتبقي من عمال اليومية يظل في الميدان ينتظر لعل أحد المواطنين يأتي ويكون عنده يومية سواء عربة رمال يريد ادخالها إلي منزله أو عربة طوب أو يريد الحفر في الارض لإيصال خط مياه أو غيرها من الاعمال الأخري.