"جدع يا ولد".. جملة عادية ترددها كل أسر محافظة قنا عندما يلقي موقف طفل صغير أو حتي من جيل الشباب استحسانهم تأكيدا علي إيجابية الفعل. لغرس أحد مفردات "الشامة" لتكون كالنقش علي الحجر. فيكبر كل من سمع تلك الجملة وهو يدرك تماما كيف يظهر في أفعاله المروءة والتمسك بالحقوق والقيم الإنسانية. وشهامة الصعيدي التي هي إحدي المعالم الأخلاقية لديه ليرفض في المقابل الانصياع للظلم ويحب الفضيلة ويتجنب ظلم الضعفاء بل ويدافع عنهم.. ولعل طبيعة محافظة قنا التاريخية بأصولها العريقة تجعل أهل المدن لا يختلفون عن أهل القري في تجسيد معاني الشهامة التي تتجلي في المواقف حتي أن أغلب أهالي القري يكتبون علي واجهة منازلهم جملة تقول: "الرجال صناديق مغلقة لا تفتحها إلا المواقف" لتظل حكمة عالقة في ظل كل قاريء يسعي لإثباتها بشهامته التي اكتسبها من المجتمع الذي يعيش فيه واستأسدت لديه بما غرسه فيه الأبوان. يقول الإعلامي أحمد سعد جريو أحد أبناء مدينة قنا إن الشهامة كما توارثها الصعيدي هي عطاء ودفاع عن الحق عطاء يفتخر به كل امريء ويفتخر به صاحب الشهامة والملهوف والشهامة من المنظور العربي هي نجدة الملهوف والمستغيث والشهم لا ينظر إلي عطائه بل ينظر إليما يسعطيه وصاحب الشهامة يعرف بين أقرانه بأنه لا يسعي إلي فخر يفتخر به بل يأتي إليه الفخر من أفعاله. والشهامة أيضا وإن كانت عطاء فالشهم لا ينظر أبدا إلي ردود عطائه ولا ينتظر رد الجميل. كما أن الشهامة في حد ذاتها بطولة وغريزة تخرج من صاحبها دون إرادة منه وهي عنوان له والشهم يحرص دائما أن يورث الشهامة لأبنائه كما يحرص أن تكون عنوانا لأهله. ويضيف: إن الشهامة تظهر جليا في محافظة قنا ليست في إغاثة الملهوف فقط بل عند أخذ الثأر فصاحب الشهامة يأبي أن ينال من غريمه ويأخذ ثأره منه إلا وجها لوجه فلا يقتله من خلفه ولا عن غفلة بل يحرص أن يأخذ بثأره من غريمه في وجهه ويعير من يأخذ ثأره من غريمه بضربة من خلفه أو علي حين غفلة. وتقول هيام علي الحاج محامية إن الشهامة لدي أهل قنا لا تعلم ولكن تكتسب من الكبار حيث نلاحظ أن الطفل الصغير حينما يحسن فعل شيء نبادر بأن نقول له "جدع" ليعرف حينما يكبر أن "الجدعنة" التي فعلها في صغره هي الشهامة التي يجب أن يتحلي بها في معاملته مع الآخرين ولعل هذا ما يجعل المواطنين في قنا يسارعون لمساعدة كل مستغيث حتي لو أنهم لا يعرفونه لأن أخلاقهم تفرض عليهم ذلك وأقرب أمثلة علي ذلك ما حدث في قرية المراشدة بمركز الوقف منذ عدة أسابيع حينما نجح المسلمون من أبناء القرية في التصدي لمحاولة بعض أفراد تشكيل عصابي مسلح اختطاف تاجر مصوغات ذهبية "قبطي" بل وتمكنوا من ضبط أحد أفراد التشكيل وتسليمه لأجهزة الأمن وكذلك فعل أهالي قرية العزازية بمركز دشنا منذ عدة أيام حينما أحبطوا محاولة قيام أكثر من 12 شخصاً كانوا يحاولون سرقة قضبان الديكوفيل الخاص بمصنع سكر دشنا حيث استشعر الأهالي وجودهم فاشتبكوا معهم وأطلقوا عليهم الرصاص حتي تمكن البعض من الهرب في الوقت الذي ألقي الأهالي القبض علي آخرين وفي الحالتين لم يخض الأهالي من مواجهة المجرمين بل دفعتهم الشهامة إلي إنقاذ ذلك التاجر القبطي الي يعيش معهم علي أرض واحدة وتحت سماء واحدة كما فعلوا عند تصديهم لمن حاولوا سرقة المال العام وتبديده إلي جانب العديد من المواقف اليومية بين الجيران التي تثبت علي عراقة وأصالة شعب قنا العظيم. وأوضح محمد صلاح إسماعيل -مزارع- إن الشهامة لا تختلف لدي أبناء القري عنها في المدينة لأن كل أهل قنا تربطهم علاقات قرابة ونسب ومصاهرة وهذا ما جعلهم جميعا طينة واحدة مشيرا إلي أنه منذ وقت كان نائما في منزله القريب من الزراعات وفي منتصف الليل تنامي إلي سمعه أصوات عديدة وحركة قريبة ولما صعد أعلي المنزل لاكتشاف الأمر وجد النيران تشتعل في محول القصب خاصته فأسرع مهرولا يقول حينما وصلت جلست في مكاني دون أن اتحدث وأنا أراقب أهالي القرية بالجراكن يحاولون إخماد النيران بعد تعبئتها من مصرف يبعد عن الزراعات أكثر من 500 متر وفي النهاية عرفت أن أحد الشباب شاهد النيران من منزله وقام بجمع الجيران الذين حضروا لإنقاذ المحصول هذا إلي جانب العديد من المواقف التي تتجسد أما في مساعدة مريض أو تكفل بعلاج فقير أو غيرها من أفعال أهل القرية بشهامتهم وطيب أخلاقهم. وأضاف الشاعر القنائي محمود مغربي إن من أبرز المواقف التي تبرز شهامة شعب قنا العريق عندما تصدوا للحملة الفرنسية واستطاع أهالي قرية ابنود أن يقهروا العدو لطرد الاسطول الفرنسي بكل ما يملك من أسلحة عاتية في حين كان أهالي قنا يستخدمون أسلحة بيضاء ليصبح يوم انتصار الأهالي علي الحملة الفرنسية عيدا قوميا للمحافظة.