حذر خبراء الاقتصاد والسياحة من أن استمرار المليونيات التي تتحول إلي اشتباكات دامية بين القوي السياسية والتي أسفرت مؤخراً في محيط قصر الاتحادية عن سقوط قتلي وجرحي يمثل "خراباً للبيوت" ويجعل الخسائر الاقتصادية تتوالي وعجلة الانتاج تتوقف. قالوا إن ظواهر هذه الخطورة واضحة للجميع حيث نخسر يومياً علي سبيل المثال 46 مليون دولار بسبب تراجع اعداد السائحين وتجاوز العجز في الميزان التجاري ال 150 مليار جنيه والبطالة قفزت إلي 13%. أضافوا أن المناطق الانتاجية تحولت إلي أماكن "خربة" بعد أن تفرغنا للمظاهرات وتركنا دول العالم الأخري تسيطر علي أسواقنا وفقدنا الفرصة لتصبح مصر أحد المعاقل الكبري للاستثمار في العالم. * محمد غريب رئيس اتحاد المرشدين العرب وعضو اللجنة الدولية لخبراء السياحة يقول إن حالة عدم الاستقرار التي نعيشها منذ اندلاع الثورة والمليونيات التي لا تتوقف من هنا وهناك أثرت بشكل مأساوي علي السياحة وإذا استمر الوضع هكذا لمدة أطول فلا مفر أمامنا إلا أن نقول البقاء لله في السياحة وعلينا أن نتحمل معاناة عشرات السنوات حتي نعيدها إلي سابق عهدها. أضاف أن هذه ليست نظرة تشاؤمية بل للأسف واقع نعيشه وندفع جميعاً ثمنه فيكفي أن الدولة بسبب تراجع اعداد السائحين والتوقف شبه الكامل للنشاط السياحي تخسر يومياً 46 مليون دولار وكل شهر مليار و200 ألف دولار وكل عام 15 مليار دولار.. هذه الأرقام الهائلة تخسرها الدولة فقط من قطاع السياحة ناهيك عن أضعاف هذه المبالغ التي يتحملها المواطن نتيجة تراجع السياحة.أوضح أن الخسارة لا تتوقف علي العاملين في مهنة السياحة والذين يبلغ عددهم حوالي 4 ملايين شخص بصورة مباشرة وأسرهم التي تبلغ في المتوسط 15 مليون شخص ولكنها تمتد أيضاً إلي ما يقرب من 62 مهنة وصناعة ترتبط بالسياحة بداية من صناعة المنتجات الغذائية والمقاولات ومروراً بالأثاث وانتهاء بالبنوك حيث إن هذه المهن تتكبد أيضاً خسائر. أشار إلي أن الخسارة الاقتصادية التي تولدت عن غياب السياحة هائلة ويكفي اعداد العاطلين التي تزداد يوماً بعد يوم في هذا القطاع الحيوي بالإضافة إلي هروب الاستثمارات منه وعدم ضخ رجال الأعمال في هذا القطاع استثمارات جديدة. أكد أنه لا عودة للنشاط السياحي إلي مصر إلا بعودة الهدوء إلي الشارع وبث الأمن والطمأنينة في نفوس جنسيات العالم المختلفة حتي لا يهربوا من مصر في ظل هذه الأوضاع. خسائر مخيفة * د. علي عبدالرحمن أستاذ الاقتصاد بجامعة قناة السويس يقول: لا يوجد بلد في العالم يستمر فيه توقف العمل بهذا الشكل والكل مشغول بالمليونيات والتظاهرات لدرجة أن منطقة كالتحرير التي تعتبر مركزاً تجارياً كبيراً أصيب بالشلل التام والمحلات والمكاتب به مغلقة مثل الأماكن الخربة والخوف أن يمتد هذا الوضع إلي ميادين ومناطق أخري مثلما حدث مؤخراً في محيط قصر الاتحادية. أضاف أن خسائرنا اليومية المباشرة وغير المباشرة تتجاوز المليارات والصورة إذا عبرنا عنها بالأرقام مخيفة وتزداد سوءاً كل يوم فيكفي أن نعلم أن عجز الموازنة العامة تجاوز 150 مليار جنيه والدين الداخلي والخارجي بلغ 3.1 تريليون جنيه وتراجع النقد الأجنبي إلي 13 مليار دولار بالإضافة إلي ارتفاع معدلات الفقر حيث أصبح هناك 43% من المواطنين تحت خط الفقر ووصلت البطالة إلي 13% من القوي القادرة علي العمل. استطرد قائلاً: صحيح أن الأرقام هذه يتحمل جزء كبير منها النظام السابق ولكن استمرار المظاهرات والمصادمات الدامية يجعل هذه الأرقام تقفز بالسلب كل يوم لأن عجلة الاقتصاد شبه متوقفة. أوضح أن حركة الصادرات أصبحت شبه متوقفة والمستثمر الأجنبي والمحلي خائف ومذعور من ضخ أي استثمارات جديدة بسبب اضطراب الأوضاع والأخطر أن هناك بعض الشركات ومنها شركات تعمل في مجال البترول بدأت في وقف نشاطها بمصر رغم أنها تحقق انتاجاً جيداً ولكن عدم استقرار الأوضاع لا يشجعها علي الاستمرار. أضاف أننا لا نصادر حق الناس وحريتهم في التعبير عن أفكارهم ولكن في نفس الوقت عليهم أن يعوا جيداً معني الحرية فهي تعني ألا نعتدي علي حق الآخرين في العيش والعمل وعليهم أن يعبروا ويحتجوا كما يريدون ولكن في اطار منظم ولساعات محدودة ثم ينصرفون إلي عملهم وليس بالاستمرار لأيام عديدة ويصيبون الانتاج بالشلل التام. التحرير تحول إلي كابوس * د. محمد المنوفي رئيس جمعية مستثمري 6 أكتوبر يقول: لقد فرحنا كصناع بالثورة وتصورنا أنها سوف تنهي حالة الضغط التي كنا نتعرض لها من النظام القديم ويحدث استقرار حقيقي ولكن للأسف الشديد الصورة الآن مختلفة عن تصوراتنا حيث المليونيات والمظاهرات التي تتحول إلي مصادمات دامية ويقع فيها العديد من الضحايا لا تتوقف والانتاج يتراجع بشكل كبير بسبب عدم حضورالعاملين سواء للمشاركة في المظاهرات أو لأن الطرق مقطوعة. أضاف أن الأمر لا يقتصر علي ذلك بل إن هناك أماكن لا نستطيع أن نقوم بطرح انتاجنا بسبب اضطراب الأوضاع بها ولا نستطيع الذهاب إليها مثل التحرير لتحصيل مستحقاتنا خوفاً من تعرض المندوبين للاعتداء والاستيلاء علي ما لديهم من أموال. أوضح أننا دخلنا في مرحلة الخطر حيث الاقتصاد علي حافة الانهيار والصناعة في سبيلها للتوقف في الوقت الذي يجب أن ندفعها للأمام لتوفير وظائف لما يقرب من 40 مليون شاب يمثلون الفئة العمرية الأكثر قدرة علي الانتاج بجانب أننا نتعرض لهجوم كاسح من دول عديدة مثل الصين وتركيا حيث أصبحت بضائعهما تملأ الأسواق وتمثل منافساً شرساً لنا في الوقت الذي لا نحاول فيه نحن أن نلملم شتاتنا وندفع انتاجنا لتحقيق طفرة اقتصادية تخرجنا كشعب من المعاناة التي نعيشها والتي تصورنا أن ثورة 25 يناير سوف تؤدي لها ولكن تسارع الأحداث الأخيرة جعلنا نشعر بالخطورة الشديدة. ضربة للاستثمار * د. فتحي الصعيدي أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر يقول إن حالة الانفلات التي تولدت عن المليونيات التي تتحول إلي مصادمات عنيفة تصيب الاقتصاد في مقتل وتجعلنا ندور في حلقة مفرغة فالاقتصاد يتعرض لخطر شديد سواء علي المستوي الداخلي حيث إن حركة الانتاج المحلي تتراجع بشدة وفقاً للاحصائيات أو علي المستوي الخارجي فهناك مخاوف شديدة لدي الدول والمنظمات الدولية من الموقف السيئ في مصر والذي سينعكس بالتأكيد علي الاقتصاد حيث عبر الاتحاد الأوروبي مؤخراً عن قلقه من الأوضاع الداخلية وهو ما سينعكس بالتأكيد علي حركة الاستثمارات الأجنبية والعربية في مصر. أضاف أن مصر بعد ثورة 25 يناير كانت مؤهلة لأن تصبح أحد المعاقل الكبري للاستثمار الأجنبي والعربي بسبب ما نتمتع به من مزايا تنافسية بجانب الجو الصحي الذي كان من المفترض أن تصنعه الثورة ولكن اضطراب الأوضاع سوف تجعلنا نتراجع إلي الوراء خطوات واسعة وبدلاً من أن نتقدم للأمام أصبحنا في مأزق خطير. أشار إلي أن غالبية المواطنين يشعرون حالياً بالخوف الشديد علي الوضع الاقتصادي ويريدون التوقف تماماً من المظاهرات والمليونيات حتي نتفرغ للعمل حتي ندفع الانتاج ويجد المواطن احتياجاته الأساسية. أضاف أن الاقتصاد لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينمو ويتقدم بدون استقرار فالأمن والأمان هو الجاذب الأول للاستثمار ودفع الاقتصاد إلي الأمام والقضاء علي البطالة التي تمثل قنبلة موقوتة لو انفجرت فإنها ستطول الجميع.