حكاية ليلية قصة من ذكريات سجون بشار الأسد "ميشيل كيلو" فتح باب زنزانتي فجأة. كانت الساعة تقارب الثالثة فجرا. أمرني رجل الامن أن أخرج واتبعه بعد قرابة خمسين خطوة. فتح باب زنزانة سبقني الي داخلها وهو يمسك بيدي ويجرني وراءه. رفع الغطاء عن عيني وقال لي هامسا: سأعود بعد ساعة لاعادتك الي غرفتك "يسمون الزنزانة المنفردة في السجون السورية غرفة". أشار باصبعه الي زاوية فارغة وقال لي : "اجلس هناك واحك حكاية لهذا الطفل" كان في المكان الضيق "مترين بمترين" سيدة في نحو الثلاثين من العمر.. خرج الحارس وأغلق الباب وراءه وهو يأمرني ان لا أتحدث بصوت مرتفع كي لايسمعني أحد من زملائه فتقع الكارثة ونذهب معا الي تدمر. القيت التحية علي السيدة. فلم ترد كانت خائفة ومتكورة علي نفسها كمن يتقي خطرا داهما قلت لها مطمئنا: "لا تخافي يا أختي فأنا سجين مثلك" بعد صمت قصير سألتها كم مضي عليها من الوقت هنا؟ فقالت ستة أعوام نظرت الي الطفل الذي كان في الرابعة. ففهمت أنها حملت به وولدته في السجن.. سألتها عن سبب وجودها في الفرع. فقالت وقد بدأت حبات الدموع تنساب من عينيها: "رهينة". جلست أمام الطفل. سألته عن اسمه. فلم يرد قالت إنها لم تطلق عليه اسما بعد. لأنه لم يسجل في أي قيد. لكنها تسميه أنيس. قلت وأنا أمسك يده الصغيرة : "سأحكي لك الان حكاية يا أنيس. كان هناك عصفور صغير كثير الالوان حسن الغناء" فسأل: "شو العصفور؟" صمت قليلا. ثم قررت تغيير القصة وقلت: "كانت الشمس تشرق علي الجبل" فبدت علي وجهة علامات الاستغراب وعدم الفهم! قالت الأم : "لم يخرج أبدا من هذه الزنزانة. فهو لايعرف عن أي شئ تتحدث" وانفجرت بنحيب لم تعد تستطيع السيطرة عليه. جلست حائرا لا أدري ما علي فعله: رواية حكاية للطفل هي استحالة لا سبيل الي تحقيقها. أم مواساة أم منتهكة الكرامة تضيع عمرها في هذا المكان الخانق. بصحبة طفل لاتدري من أبوه. ستخرج معه ذات يوم تجهل متي يأتي الي عالم لن يرحمهما! تسمرت في الزاوية البعيدة عنها. لم يعد لساني قادرا علي قول أي كلمة. فقبعت هناك متكورا علي نفسي. بعد قليل جاء الحارس لاعادتي الي زنزانتي. عندما فتح بابها واطمأن الي أن أحدا من زملائه لم يشاهدنا. سألني ان كنت حكيت حكاية للطفل. عندما رأي الدموع علي خدي اغلق الباب وراءه وانصرف.