الهدايا العينية التي تقدم لكبار المسئولين والموظفين بدءاً من رئيس الجمهورية. مروراً بالوزراء وحتي صغار الموظفين في أجهزة الدولة المختلفة أثارت جدلاً كبيراً بعد اندلاع ثورة يناير التي كشفت عن تضخم الثروات الحرام نتيجة مفاسد عظمي ما كان لها أن تقع لولا الاستبداد والتعتيم اللذين أحاط بهما النظام السابق نفسه وأتباعه. ومن دار في فلكه وسار علي نهجه..وقد أثار قرار مجلس الوزراء بتحديد قيمة الهدية ب 100 دولار. حالة من الجدل. إذ يري البعض أن تحديد قيمتها يقنن الفساد. ويخالف الشرع. لاسيما أن منح الهدايا لا يأتي لتحقيق المصالح العامة. وإنما إرضاء لبعض ذوي الشأن لتسهيل المصالح وتمرير الصفقات غير القانونية.. وأنه ما كان لهذا المسئول أو ذاك أن يتحصل علي مثلها لو أنه جلس ببيته. ولم يتقلد مثل هذا المنصب. وتعكف الحكومة حالياً علي إعداد مشروع قانون لتنظيم التعامل مع الهدايا المقدمة للمسئولين والموظفين بالدولة. واسترداد الهدايا المقدمة لرموز النظام السابق. وبيعها بالمزاد العلني. أو إيجاد آلية قانونية لاحتفاظ المهدي إليه بالهدايا بعد سداد قيمتها السوقية للخزانة العامة. وقيام وزارة الخارجية بإبلاغ الدول المختلفة بأن الهدايا الثمينة المقدمة للمسئولين ستئول للخزانة العامة منعاً للتربح أو الاستيلاء علي المال العام. يحمل مشروع القانون المقترح عنوان "تضارب المصالح وميثاق شرف الخدمة العامة". ويأتي في إطار جهود مكافحة الفساد والرشاوي. ووقف نزيف المال العام وممتلكات الدولة التي جري تبديدها بمنح الهدايا لكبار المسئولين وصغارهم مقابل التغاضي عن تجاوزات أو التساهل والتفريط في المال العام. مثلما جري في بيع الشركات العامة فيما عرف بالخصخصة بأسعار بخسة.. فهل يفلح القانون الجديد في الحد من التربح بالوظائف والرشاوي واعلاء لدولة القانون. وإرساءً لدعائم الشفافية والحوكمة والحكم الرشيد؟!! "المساء" طرحت "القضية" علي الخبراء والقانونيين فأدلوا بدلوهم في التحقيق التالي: * يقول د.إبراهيم محمد علي "أستاذ القانون الدستوري بجامعة المنوفية. والمحامي بالنقض": لابد أن يشمل القانون الجديد آلية تمنع حصول الموظف العام علي هدايا عينية قيمة. وفي حالة ثبوت قبوله لها توجه إليه تهمة التربح بالوظيفة والاتجار بها. ويؤثم جنائياً. أشار إلي أن الولاياتالمتحدة تحدد ثمن الهدية التي يمكن للموظف العام قبولها والاحتفاظ بها بمائة دولار. وما يزيد علي هذه القيمة يدخل لخزانة الدولة بعد تقدير ثمنها.. أما في مصر فلا يوجد مثل هذا القانون. ولابد من الإسراع بتشريعه وتطبيقه للحد من تلاعب المسئولين بأموال وموارد الدولة والتربح من وظائفهم. ومنع حصولهم علي هدايا من أفراد وهيئات ومؤسسات مصرية وأجنبية حتي ولو بشكل رمزي. * يقول د.محمد سمير "أستاذ القانون الدستوري بجامعة الأزهر": إن رد الهدايا من جانب الموظف العام لها مرجعية في الشريعة الإسلامية. فقد أمر عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" برد هدايا الولاة إلي بيت مال المسلمين. كما أن للدولة المتقدمة مرجعية وضعية في ذلك الأمر. حيث تحدد الولاياتالمتحدة مثلاً قيمة الهدية حرصاً علي الشفافية ومنعاً لشيوع الرشوة المقننة. أضاف: لابد أن ينص القانون المقترح لمنع تضارب المصالح وميثاق شرف الخدمة العامة علي نصاب مالي محدد للهدايا التي يمكن للموظف قبولها. وإذا تجاوزت هذا النصاب فيتم ردها لخزانة الدولة. وفيما يخص الهدايا التي حصل عليها الرئيس المخلوع ورموز حكمه فإنه يصعب حصرها أو ردها. خصوصاً تلك التي تحصلوا عليها بصفة شخصية. ويمكن لجهاز الكسب غير المشروع محاسبتهم عليها. وعلي أموالهم. فإذا عجزوا عن الإثبات وتأكدت القرائن القوية علي وجود الشبهات يجري ردها لخزانة الدولة وخاصة الهدايا المرصعة بالجواهر الثمينة. والتي جاء معظمها من دول الخليج. * يقول المستشار محمد عطية "وزير التنمية المحلية السابق": إن الإسراع بوضع قانون تضارب المصالح وميثاق شرف الخدمة يحد من الفساد المقنن. فالهدايا التي تعطي للمسئول أثناء زيارته لدول العالم المختلفة. يجب أن تئول للدولة علي الفور لأنها أعطيت له بصفته الوظيفية والرسمية. لا بصفته الشخصية. أضاف أن حصول الموظف علي هدايا من هيئات ومؤسسات حكومية. أو خاصة. أو من رجال أعمال يقع تحت طائلة استغلال النفوذ. وهو ما يتطلب إصدار قانون لمحاكمة الوزراء. ويجرم مثل هذا التلاعب بنصوص واضحة قاطعة. قال: إن قبول هدايا بأثمان باهظة لن يتكرر بعد ثورة يناير. ولن يجرؤ أحد عليه مثلما كان الحال قبلها. * أكد عبدالغفار شكر "رئيس حزب التحالف الشعبي" أن دول العالم المتقدم كافة فيها قوانين تنظم قبول الهدايا. وأن مشروع القانون المقترح لمنع تضارب المصالح تأخر كثيراً. ولابد من أن يلزم القانون الرئيس ومساعديه بتقديم بيان بالهدايا. ومن يثبت تهربه يواجه بقضايا اختلاس أموال الدولة والسرقة. ولابد أن يبادر الرئيس أو أي مسئول برد الهدايا الثمينة لأنها قدمت إليهم بسبب مناصبهم التي لولاها ما حصلوا علي تلك الهدايا. أضاف: القانون المقترح يحد من قبول الهدايا ويمنع الرشوة والتسهيلات التي تكرس لنهب أملاك الدولة. ويجب أن يتضمن هذا القانون عقوبات مشددة لمن يثبت في حقه تلقي هدايا بسبب منصبه. يتساوي في ذلك الموظف الكبير والصغير. حتي يكون خطوة علي طريق الإصلاح ومكافحة الفساد المستتر والرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ في التربح وجني الثروات الحرام. * يري صلاح سليمان "مدير مؤسسة التدريب ودعم الديمقراطية" أن علي متلقي الهدية أن يبلغ بها الجهات المختصة. وإلا يعد مبدداً للأمانة أو مختلساً للمال العام. ويقع تحت طائلة القانون. وفي هذا لا يُكتفي بنزع الهدايا. بل لابد أن يعاقب بالحبس. * أما عن رأي علماء الدين في تلقي الهدايا فيقول د.محمد جميعة "المستشار الإعلامي لشيخ الأزهر" إنه من الضروري وضع سقف محدد للهدايا حتي لا تؤدي إلي الفساد وخراب الذمم. وأشار إلي أن النبي "صلي الله عليه وسلم" قبل الهدية الرمزية وليست باهظة الثمن. المبالغ فيها. حتي لا تكون باباً للرشوة من تحت الترابيزة. مقابل غض البصر عن تجاوزات أو منح تسهيلات غير قانونية. أضاف جميعة: لابد من سن قانون حازم يضع الضوابط المنظمة للهدايا لعدم فتح الباب أمام الموظفين والمسئولين لقبول الهدايا علي حساب المال العام والتربح من وراء مراكزهم أو وظائفهم التي يتقلدونها.