"السينما كما رأيتها" .. عنوان كتاب للناقد رفيق الصبان قرأته مؤخراً. ومن يعرف مدي عشق هذا الناقد لفن السينما. وإدمانه الفرجة علي الأفلام. وتذوق لجماليات وخصوصية اللغة السينمائية. يتصور أن الكتاب قصيدة غزل في هذا الوسيط. وأن السينما كما يراها تمثل بالنسبة له الزاد الذي بدونه لن يكون لحياته طعم. وما تقرأه بين دفتي الغلاف ليس غزلاً فقط. بقدر ما هو اعتراف موثق بأهمية الفيلم وتأثيره في حياة الشعوب. ورصد لأهم العلامات علي طريق تطور ما اصطلح علي تسميته بالفن السابع الذي ولد مع ولادة القرن العشرين وأصبح من سماته. الكتاب يقع في220 صفحة ويتضمن عشرين فصلاً قصيرا في حين أن الكتب التي تناولت تاريخ السينما وتطورها تملأ آلاف الأرفف داخل المكتبات وكل فرع من فروعها يعتبر علماً قائماً بذاته يُدرَس في أكاديميات الفنون.. وهذا الكتاب يعتبر كبسولة مُنشطة إذ من المستحيل تقديم تاريخ السينما في العالم في عدد محدود من الصفحات هذه حقيقة يؤكد عليها المؤلف. فالسينما كما يقول عن حق "قلبت مفاهيم الفن من القرن العشرين. واستطاعت في فترة تتجاوز المائة عام بقليل أن تتطور وأن تختلف وتضم أساليب واتجاهات عديدة وأن تقدم للعالم أسماءً رنانة ارتسمت علي جسد الفن العالم كوشم النار لا يمكن تجاهله ولا يمكن إزالته. الكتاب يصلح للقاريء غير المتخصص. والمحب للسينما كفن. ويريد أن يتابع نشأتها وتطورها. بداية الفكرة تقول المراجع التاريخية التي تتحدث عن ميلاد السينما إن الأخوين لوميير في فرنسا هما أول من أمسكا الفكرة وأخرجا المارد من القمقم.. وهناك مراجع أخري تشير إلي أن المخترع الأمريكي أديسون كان فعلاً أول من فكر في اختراع السينما. وهناك محاولات جادة جرت في ألمانيا لتحقيق الايهام بالحركة ولكن التاريخ حسم المعركة لصالح الأخوين الفرنسيين اللذين قدما أول عرض سينمائي عام 1897 في احد مقاهي باريس. يتضمن الكتاب عرضا مبسطا للمحاولات التي مهدت لاختراع السينما والأجهزة التي سبقت اختراع آلة العرض والتي أنتجت علي نطاق محدود صورا متحركة أدهشت الناس. استقبل الجمهور اختراع الصور المتحركة بحماس واعجاب لا مثيل له ومنذ سنة 1896 بدأ الاستغلال التجاري لهذا الاختراع الجديد الذي انتقل إلي لندن ثم إلي نيويورك ومن ثم ولدت السينما. ويشير الكتاب إلي بداية ظهور استوديوهات السينما.. في سنة 1910 تم افتتاح استوديوهات أجنا في ألمانيا وباتيه في فرنسا وفي نفس العام "1910" انتقلت السينما الأمريكية من نيويورك إلي كاليفورنيا الولاية التي لا تغيب عنها الشمس كثيرا في أغلب أيام السنة والتي تسمح بالتصوير دون انقطاع كبير. وفي الفصل الثاني المعنون "ميليس وبورتر وزيكا" والأسماء الثلاثة تشير إلي الفنان الفرنسي جورج ميليس الذي كان أول من أدخل مفهوم الخيال إلي السينما بأفلام عن الخيال العلمي جعلت من فن السينما في هذا التوقيت المبكر فناً خاصاً ينطلق بأجنحة تحمل المتلقي إلي عالم الخيال والأحلام. فقدم "رحلة إلي القمر" استخدم فيه حِيلا وخِدعا تقنية بالغة السذاجة ولكنها كانت وقتئذ بالغة التأثير- ويشير الاسم الثاني في العنوان إلي المخرج الأمريكي إدوين بورتر الذي قدم سنة 1904 فيلما صغيرا عن "حياة رجل مطافئ" وذلك قبل أن يقدم فيلمه الذي سوف يؤرخ لاسمه كأول مخرج قدم أفلام "الويسترن" أو أفلام الغرب الأمريكي فيلم أكشن حقيقي بعنوان "سرقة القطار الكبري" "1904" والذي ستتبعه بعد ذلك أفلام عدة تمثل الجذور الحقيقية لأفلام "الكاوبوي". والاسم الثالث يشير إلي المخرج الفرنسي فرديناند زيكا الذي قدم أفلاما متنوعة الاتجاه كفيلم عن ضحايا المخدرات وحياة مغامر وغزو الفضاء. أول استديو يعود إلي هذا المخرج أيضا الفضل في إنشاء أول استديو في فرنسا 1903 يحمل اسمه. أسسه في ضاحية قريبة من باريس وأخرج فيه أول فيلم مأخوذ عن قصة أدبية للروائي إميل زولا بعنوان "الإضراب". وفي ايطاليا اتجهت السينما منذ البداية إلي تقديم أفلام تاريخية تحكي أمجاد روما القديمة مثل فيلم "كوفاديس" و"كابيريا". وفي أمريكا بدأت السينما في تطوير هذا الاختراع وتحويله إلي صناعة ومن ثم بدأ انشاء دور العرض وتأسيس الاستديوهات وصناعة النجوم وتأكيد قيمة "النجم" في ضمان النجاح التجاري للفيلم. إن قوة هذا الفن الجديد "الفن السابع" الذي ولد في أوائل القرن العشرين. قدرته علي التنوع والاختلاف وتلونه بأسلوب البلد الذي يظهر فيه والذي يجعل السينما الأمريكية تختلف اختلافا جذريا عن مثيلتها في أوروبا وآسيا أو أمريكا الجنوبية رغم انها تحمل السمات نفسها وتعمل بالطريقة نفسها. سيسيل دي ميل سيطرت هوليوود علي أسواق العالم. وعمدت إلي تنويع أساليبها والتركيز علي الإبهار الشديد في المناظر والديكورات. وأول من طبق هذه العناصر واستغلها إلي أبعد الحدود في كل أفلامه المخرج سيسيل دي ميل الذي قدم أول فيلم له معتمدا علي هذا الأسلوب سنة 1914 بعنوان "معركة ايلدر بوش" وتدور حول معارك الغزاة البيض مع الهنود الحمر في الأرض الجديدة المكتشفة "أمريكا" وبالطبع تظهر العنصرية البيضاء في هذا الفيلم بوضوح كامل.. خصوصاً في تصويره الهنود الحمر كقبائل متوحشة تعشق سفك الدماء وتهوي اصطياد الرجال البيض الذين أتوا من وراء البحار لتحريرهم ومنحهم المدنية والحضارة.. هذا الاتجاه العنصري في أفلام الغرب ظل مسيطرا علي السينما الأمريكية حتي منتصف الخمسينيات حيث بدأت أفلام قليلة تعزف علي وتر آخر مختلف يؤكد إنسانية هذا العِرق الأحمر وحقوقه وحضارته. وهذا الاتجاه العنصري في السينما الأمريكية ظهر بوضوح كبير أيضا في أفلام "عبقري السينما الأمريكية ورائدها الأول" جريفييت في فيلمه الشهير"مولد أمة" "1914" الذي يعتبر من كلاسيكيات السينما الصامتة والذي يروي مقاطع من الحرب الأهلية الأمريكية التي دارت بين الشمال الصناعي ذي التقاليد الإنجليزية والجنوب الزراعي ذي التقاليد الفرنسية وانتهت بانتصار الأول وتحرير العبيد علي يد الرئيس لينكولن الذي لقي حتفه صريعاً بيد أحد الممثلين المتعصبين في مسرح من مسارح المدينة. ركز جريفييت في فيلمه الشهير علي دونية الزنوج ووحشيتهم وتفوق الرجل الأبيض وحقه في التخلص من هؤلاء البدائيين الملونين. وجه آخر في ألمانيا أخذت السينما وجهاً آخر. إذ شعرت الدولة بأهميتها فقررت أن تجعلها تحت سيطرتها الكاملة. وكذلك فعلت روسيا. وما من شك أن السينما سواء في المانيا أو في روسيا قد اتخذت منهجا مغايرا تماماً للنهج الذي كانت تسير عليه السينما الأمريكية. وابتكرت هوليوود شخصيات جديدة مثل "طرزان" الإنسان البدائي الذي يعيش بعيدا عن المدينة. معتمدا علي حسه الغريزي وعلاقته بالطبيعة وكان أول من لعب هذه الشخصية الممثل المو لنكلن عام .1918 وقدمت السينما للعالم نجوما ارتبطت بهم جماهير غفيرة وتأثرت بهم كثيرا وفي مقدمتهم نجوم الكوميديا أمثال شارلي شابلن وهارولد لويد وبستر كيتون. وكذلك استقطبت السينما الأمريكية نجوما من أوروبا الغربية مثل النمساوي ارنست لوبتش والسويدي موريس ستللر وجريتا جاربو والألماني اريك فون ستروهايم وبعد ذلك استقطبت نجوم آسيا. ويسوق كتاب الدكتور رفيق الصبان كثيرا من الأمثلة عن النجوم الذين تألقوا والذين سقطوا في بدايات المشوار ومن أنهي حياته بالانتحار ومن حرقته الأضواء.. وكذلك يقدم للقارئ التيارات والاتجاهات الفنية التي أثرت في السينما الاوروبية واختلافها البيّن عن التيارات الأمريكية. ويتوقف المؤلف في كتابه أمام مصر باعتبارها البلد العربي الأول الذي عرف السينما ومعه الاقتصادي المصري طلعت حرب الذي كان أول من أسس البنك المصري سنة 1920 ووضع ضمن مشاريعه خطة لتشجيع السينما فأسس استديو مصر.. وأشار إلي دور السيدات المصريات في دفع عجلة السينما سواء عن طريق الانتاج والتمثيل وحتي الإخراج. وفي الفصل الخامس يشير المؤلف إلي تأثير دخول الصوت إلي السينما عام 1929 وتأثير السينما الناطقة التي جعلت بعض النجوم يختفون عن الساحة بينما سعي البعض الآخر إلي أن ينسي ماضيه الصامت كما فعلت النجمة ماري بيكفورد عندما اشترت حقوق أفلامها الصامتة كلها وأحرقتها لأنها كما قالت "أصبحت مضحكة وتدعو للرثاء". أيضا دور الحرب العالمية الثانية في تطوير السينما المصرية وتجديد اتجاهاتها. الكتاب بفصوله العشرين يلقي الضوء علي مسيرة فن أصبح أكثر الفنون تأثيرا علي جماهير السينما وعلي الناس عموماً حيث أصبح الفيلم زائرا مقيما في البيوت وعلي المقاهي. وفي المهرجانات السينمائية المنتشرة طوال شهور السنة. ويعتبر بمادته دليلاً للمتفرج الراغب في المعرفة. الكتاب صادر ضمن سلسلة آفاق التابعة لهيئة قصور الثقافة ويباع بثلاثة جنيهات فقط!!