الدعوة إلي الله والتصدي لمهامها من أجل هداية البشر لها ضوابط وقواعد لابد من الالتزام بها لكي تؤدي الغرض المنوط بها وتحدث آثارها الايجابية بين المجتمعات والافراد في مقدمة هذه الضوابط ما جاء في قول الله تعالي: "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" من أواخر سورة النحل 125. كما أن الحق تبارك وتعالي طالب من يتولي مهمة الدعوة إلي الالتزام بقيم الإسلام ومبادئه السمحة التي تتفق مع ما جاء في الكتب السماوية التي انزلها الله علي الرسل فقد طالب الله سبحانه موسي واخاه هارون عليهما الصلاة والسلام حين بعثهما إلي فرعون لدعوته إلي طريق الحق والاستقامة "اذهبا إلي فرعون انه طغي. فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشي" 43. 44 طه. وفي هذا السبيل كان نداء الله إلي المسلمين من أجل تحريم الخمر. ابتدأ الحق تبارك وتعالي هذه الدعوة بأسلوب قوي التأثير في النفس بصورة غاية في الدقة والبساطة "ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون" 67 النحل. فقد اراد الحق تبارك وتعالي ان يلفت انظار المسلمين باعتبارهم من أهل الفصاحة والبيان فهم يدركون قطعا الفرق بين الرزق الحسن والمسكر الذي يؤدي لآثار تجعل الانسان يفقد توازنه. وفي اسلوب يمتاز بالتدرج لتحريم هذا المسكر الناتج عن ثمار النخل من البلح والعنب يقول ربنا: "يا أيها الذين امنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري حتي تعلموا ما تقولون" 43 النساء. كل ذلك من أجل أن يفلت الانظار لمنهج ربنا في دعوة الناس إلي طريق الحق والاستقامة ومن يتأمل تاريخ الرسل وبعثاتهم واحاديثهم مع قومهم يجد هذه المبادئ. التدرج في الدعوة وتبسيطها بأرق العبارات واصدق الكلمات لكي يلفت الانظار في البداية ثم بنفس الاسلوب يكون الأمر بالامتناع عن هذا الطريق. من هذه السبل أيضا فها هو سيدنا إبراهيم حين اعياه قومه قال: "فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم" إلي غير ذلك من الآيات البينات في غاية الوضوح وتارة أخري بالتلميح ولفت الانظار لكي يوضح للداعية ان هذيه طريق هداية البشر وليكن كل ذلك نصب عينيه لكي يستطيع اداء الدور في تغيير سلوكيات البشر بالاقناع وهدوء التخاطب وحسن الخلق والصبر وبذل أقصي الجهد من أجل تهدئة نفوس الذين يتجه إليهم الداعية بكلماته ودعواته. دون عنف أو تأنيب أو التعريض بما كان منه من قبل وعلي الداعية ان يدرك أن فرعون كان طاغية وقال لأتباعه انا ربكم الاعلي ومع ذلك لم يطالب ربنا سيدنا موسي وأخاه هارون بأن يعرضا بفرعون وتاريخه في الطغيان وانما عليهما أن يتخيرا افضل العبارات التي تمتاز باللين في القول والعبارات التي تضم أطيب الكلمات لكي يتراجع عن الطغيان لأن التعنيف والقسوة في الخطاب يجعلان فرعون أو غيره لا يمتثل لأي داعية. حسن الخلق وحسن الخطاب وطول البال بصبر لا يضيق بأي معوقات توضع في طريقه أو مراوغة من المتلقين للدعوة وعلي الداعية أو من يسلك هذا السبيل أن يتأمل جيدا قول الله تعالي: "إنا كفيناك المستهزئين. الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون. ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين. واعبد ربك حتي يأتيك اليقين" 95 96 الحجر. مما يؤكد ان الداعية إذا ضاق صدره من أقوال الرافضين لدعوته عليه أن يلجأ لتسبيح ربه ويسجد تضرعا إليه لكي يهديه إلي الطريق الذي يهدي العاصين إلي طريق الحق والاستقامة. كل ذلك وضع له ربنا وكذلك رسولنا سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم منهجا محدد المعالم بضوابط وقواعد لا يجب بأي حال من الأحوال الحياد عنها لأنها إذا فقدت هذه الضوابط انعدم تأثيرها في النفوس وبالتالي لا تؤدي الدعوة الغرض المنشود منها وفي تاريخ سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم العديد من الامثلة التي يجب علي من يتصدي للدعوة أن يسترشد بها بحيث يستطيع تحقيق الانضباط داخل نفسه وفي الحديث مع الآخرين. وقد رأينا الكثير من المآسي التي ادي إليها اسلوب بعض الدعاة مما ادي إلي انصراف الناس عن دعوة الحق بصفة قطعية.. هناك في احدي الدول العربية اقبل نحو مائة من الهنود للدخول في الإسلام بعد مراحل متعددة من التأمل والمتابعة والاستماع للدعاة وبعد ان اقبل هؤلاء الهنود علي الدخول في الإسلام فوجئوا بأحد الرجال يقول باسلوب غليظ فظ الكلمات "خذ هؤلاء الهنود إلي المستشفي لاجراء الختان لهؤلاء" وعندما سمع الهنود هذه الكلمات قالوا جميعا: نرفض الدخول في الإسلام وبلهجة هندية رددوا "ما في اسلام" وفشلت مهمة الدعاة التي استغرقت وقتا طويلا وافسدها شخص لا يدرك كلماته السيئة التي أدت إلي هذا الرفض من الهنود. اسوق هذا العرض في اشارات لمنهج الإسلام ونحن نشاهد ما جري من أحد الدعاة نحو احدي الممثلات باسلوب يتنافي مع منهج الإسلام فقد أخذ يعرض بها من سرد لأعمالها الفنية وما ارتكبته من آثام نتيجة اداء هذه الأعمال والافلام والمسلسلات. وذلك ردا علي ما ذكرته في احدي الفضائيات عن تخوفها من التشدد في اسلوب الدعاة من بعض السلفيين وقد كان يتعين علي هذا الداعية أن يكون أكثر هدوءا وتمسكا بحسن الخلق واللجوء إلي الاقناع بحكمة وعبارات طيبة. ومن شديد الاسف اننا شاهدنا جماهير ترفع صور هذه الممثلة في أحد الأعمال في محاولة لفضح هذا العمل والتعريض بها في ساحة المحكمة التي كانت تنظر الدعوي التي اقامتها هذه الفنانة متهمة الداعية بسبها وقذفها. ومن ذلك اسلوب مدرسة بالاقصر مع تلميذتين لإجبارهما علي ارتداء الحجاب بقص اجزاء من شعرهما.. طريقة منفرة. هذا الاسلوب ما كان يجب علي الداعية أن يسلكه ولدينا منهج الإسلام الذي التزم به امام الدعاة فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله فقد استطاع باسلوب طيب وكلماته هادئة وهادفة نفذت إلي قلب احدي السيدات التي كانت تفتتح محلا لاداء سهرات وفقرات فنية تتنافي مع قيم الإسلام ومبادئه. وظل الشيخ الشعراوي بكلماته الطيبة وحكمته في الاقناع وحسن خلقه وصبره في الحديث معها ولم يتطرق اليأس إلي نفسه وقد تكللت جهوده بالنجاح فقد قامت هذه السيدة بتغيير نشاطها وعادت بفضل هذه الجهود للداعية المخلص إلي طريق الحق والصواب وهناك الكثير من الممثلات اللاتي اقنعهن امام الدعاة بصبر وحكمة وقول طيب. هذا هو الطريق ومنهج ربنا ورسوله محمد صلي الله عليه وسلم والانبياء من قبله. انه منهج الوسطية ونشر دعوة الحق بالحكمة والقول الحسن مع الصبر والاعتماد علي الاقناع. لأن العنف والتشدد والتعريض لا يؤدي الغرض المنشود وانما تؤدي إلي آثار سلبية شديدة ينتج عنها فشل الداعية في مهمته وانصراف المتلقي لهذه الدعوة. ياسادة ربنا قال لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم: "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" فهل نمتثل جميعا لهذا المنهج بعيدا عن الاسفاف والتشدد والعنف والتحريض إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.