عاش الشباب العربى سنوات طوال بمشاعر الإحباط واليأس من إمكانية تغيير الواقع العربى إلى الأفضل سواءً على المستوى السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى، وانعكست هذه الأجواء على كيفية استخدام شبكة الإنترنت، حيث اختفت الاستخدامات الجدية أو ذات القيمة فى أشهر المواقع الاجتماعية "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" و"ياهو" و"جوجل"، وكان الإقبال الجماهيرى فقط متزايداً على المواد الترفيهية والفنية والرياضية. إلا أن الثورات العربية وخاصة الثورة المصرية، غيرت الوضع وأصبحت اهتمامات الجماهير تنصب على متابعة مجريات الأمور السياسية من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، التى كان لديها باع طويل فى حشد الجماهير والتأثير على الرأى العام، للمشاركة فى مظاهرات 25 يناير. وتخلل الفترة السابقة العديد من المحاولات لاستخدام الإنترنت لإحداث التغيير منها، الدعوة لإضراب 6 إبريل عام 2006 فى مصر، للاعتراض على الواقع المصرى المتردى، والذى كان بمثابة "الإنذار الأول" حينها بقرب انفجار الثورة المصرية، لكن النظام البائد "كعادته" لم يتنبه لذلك. ومع ظهور أول بارقة أمل للشباب العربى فى إمكانية استغلال الإنترنت لإحداث التغيير المنشود بعد نجاح التجربة التونسية وإسقاطها لأول قائد عربى، تحولت اهتمامات الشباب لتكون أكثر جدية عن طريق استغلال هذه التكنولوجيا لإحداث التغيير. جاء على رأس هذه المواقع ال"فيس بوك" أو "مفجر الثورات العربية"، كما يحلو للبعض تسميته، والذى ازداد عدد مستخدميه فى عام واحد- حسب الإحصائيات الرسمية- بنسبة تقترب من 78%، حيث بلغ العدد الإجمالى 21.3 مليون مستخدم عربى, ولا يزال العدد فى تزايد مستمر، وأصبح استخدامه أكثر جدية، فبعد أن كان زواره يفضلون استخدامه فقط فى الدردشة والمواد الترفيهية, تحول الأمر ليصبحوا أكثر اهتماما بالشئون العامة لبلادهم، وازداد إحساسهم السياسى والوطنى وأصبحت الصفحات السياسية والإخبارية تتفوق- وربما للمرة الأولى- على الصفحات الفنية والرياضية. ولم يكن موقع الشبكة الاجتماعية "فيس بوك" أكثر من مجرد أداة لقضاء وقت الفراغ الزائد لدى الشباب جرّاء البطالة أو نظام التعليم المُحبط. ويستخدمه شريحة كبيرة "لا جماعية"، وما لبثت أن اختلفت هذه الصورة حتى تحول الموقع إلى منبع لحركة الثورات العربية, وأعاد الكثيرون النظر فى طريقة استخدام ال"فيس بوك" بعد رجوع خدمة الإنترنت إثر انقطاعها أثناء الأيام الأولى من الثورة المصرية. ويمكننا القول بأن ال"فيس بوك" تمكن أيضا من ربط التكنولوجيا بالسياسة، وهكذا أصبح مقصدا للعديد من المشتركين الذين وجدوا فيه متنفسا للتعبير عن آرائهم السياسية التى أحيانا لا يستطيعون الجهر بها. ولم تتوقف العلاقة بين ال"فيس بوك" وعالم السياسة على كونه أداة للتعبير، بل إنه تحول إلى أداة من أدوات العمل السياسى بحيث صار وسيلة لحشد الجماهير والتحركات المعارضة، خاصة فى البلدان التى تعانى من ضيق هامش الحرية وتعثر الحياة الديمقراطية. ويعتبر موقع ال"فيس بوك"، أحد المواقع الرئيسية التى ساهمت فى اندلاع ثورة 25 يناير المصرية، ودعوة العديد من الشباب للمشاركة فيها, وكان لصفحة "كلنا خالد سعيد"، والذى قام بإنشائها الناشطان وائل غنيم و وعبد الرحمن منصور منذ أكثر من عام, وخاصة بعد حادث مقتل الشاب خالد سعيد مباشرة، والذى قتل فى الإسكندرية فى 6 يونيو عام 2010، بعد تعذيبه حتى الموت على أيدى مخبرى شرطة قسم سيدى جابر, مما آثار احتجاجات واسعة، مثلت بدورها تمهيدا هاما لإطلاق الشرارة الأولى للثورة المصرية. ودعا غنيم من خلال الصفحة إلى مظاهرات يوم الغضب فى 25 يناير عام 2011, فضلا عن قيامه ومجموعة من النشطاء بالدعوة إلى المشاركة فى تظاهرات الخامس والعشرون من يناير الماضى، التى شارك فيها جميع طوائف الشعب المصرى. وفى ثورة الياسمين بتونس، لعب موقع ال"فيس بوك" دورا فى اندلاع الاحتجاجات، وكان لها فضلا كبيرا فى إشعال حماس الشباب المصرى، الذين وجدوا فى النموذج التونسى حلماً وأملاً، فعمدوا إلى التواصل مع التونسيين الذين سبقوهم إلى التظاهر، والاستفادة من تجربتهم، وبمجرد أن عرف الشباب التونسى بما عزم عليه شباب مصر، انهالوا عليهم بسيل من النصائح لضمان نجاح الثورة المصرية. وفى سوريا، أطلق النشطاء صفحة "الثورة السورية ضد بشار الأسد"، لدعم الثورة السورية، وتجميع عشرين مليون توقيع لإعلان العصيان المدنى فى سوريا. وفى المغرب أيضاً، ازدادت الصفحات التى تطالب بالثورة فى المملكة المغربية، فظهرت صفحة "صرخة المغرب الأقصى 20 مارس"، ذكروا فيها خبرا عن تنظيم مسيرة حاشدة، للمطالبة بإسقاط الاستبداد وحل الحكومة والبرلمان وحل لجنة تعديل الدستور الممنوح والمطالبة بجمعية تأسيسية ينتخبها الشعب وحاكم يختاره الشعب ويحاسبه وضرورة الاستجابة العاجلة لهذه المطالب. وظهرت أيضاً مطالبات سعودية لرفض الطائفية والقبلية بعنوان، "شباب السعودية يد واحدة فى وجه الطائفية والقبلية والعنصرية"، وقد انضم لها أكثر من خمسة عشر ألف مشترك. كما احتلت كلمة "ثورة" مركزًا متقدمًا فى محرك البحث "جوجل" - بحسب التقرير الذى نشر فى إحدى المواقع- استخدم فيه تقنية "Google trends"، التى تقدم إحصائيات عما رصدته محركات البحث فى صورة جداول إحصائية، فيظهر الجدول بوضوح أن مصطلح "ثورة" كاد أن يكون غائبا عن اهتمامات الشباب العربى منذ سنوات، ليظهر هذا المصطلح من جديد مع الثورة التونسية التى أحدثت تغييرا حقيقيا فى الشباب العربى الذى خرج عن روتينه وتأثر بما حدث فى تونس ثم فى مصر، وأصبح مهتما بهذه الثورات، وأوضح الجدول أيضاً، ترتيب البحث عن كلمة الثورة حجم البلدان العربية كالتالى، (مصر، ليبيا، اليمن، السودان، فلسطين، البحرين، الجزائر، سوريا، عمان، الأردن). كما تحولت اهتمامات الشباب العربى على موقع ال"يوتيوب"، منذ فترة حتى قبل قيام الثورات العربية، حيث استخدموها فى التعبير عن رفضهم لسياسات بلادهم من خلال العديد من الفيديوهات المنتقدة لحكوماتهم وللواقع المجتمعى الذى يعيشونه. ولموقع ال"يوتيوب" دور فى التأثير على الرأى العام القومى والعالمى خاصة خلال الثورة المصرية، نظرا لما كان ينشره من فيديوهات توضح تحركات المسيرات، والتظاهرات التى كانت تندد بسقوط النظام السابق، فضلا عن الفيديوهات التى أوضحت الانتهاكات التى قامت بها قوات الأمن ضد المتظاهرين خلال الأيام الأولى من الثورة، وتصوير مشاهد تعد من أهم مشاهد الثورة، والتى يتم توثيقها الآن، ومن أشهر الفيديوهات فيديو فتى المدرعة الشهير الذى شاهده أكثر من ثلاثة ملايين مواطن. ومع الوقت، ازدادت مقاطع الفيديو المشجعة لهذه الثورات، من خلال عرض الفيديوهات التى أسهمت فى حشد العدد الأكبر من الثوار، بدءاً بإبراز مساوئ الحكام العرب، مع عرض الواقع المرير الذى يعيشه كل شعب لتوعية المواطنين بمدى جدوى هذه الثورات، حتى يتحول وضع بلادهم إلى الأفضل، بالإضافة إلى اعتماد معظم الفيديوهات على مقاطع للأغانى الوطنية لإحياء الروح الثورية من جديد. كما ظهرت مؤخرا قناة إخبارية على ال"يوتيوب"، تسمى "قناة الثورات العربية"، بلغ عدد مشاهداتها أكثر من مليون ونصف مشاهدة، واحتوت على أكثر من 65 مقطع فيديو يرصد أحداث الثورات العربية المتتالية، وجعلت خلفيتها صورة طفل يحمل علم فلسطين كتب أسفلها "فلسطين قضية كل مسلم"، وقال مؤسسى القناة، "لقد بدأ عصر الثورات العربية ضد الحكام الخونة الذين يحمون ما يسمى "إسرائيل"، ووعد الله الحق بدأ يتحقق وقريبا جداً وفوق ما نتصور ستكون فلسطين حرة". ومن المواقع التى ظهرت حديثا، موقع "خرابيش"، الذى سعى للمساهمة فى تقديم صناعة ترفيهية عربية جديدة عبر عدة أفلام كرتونية صغيرة، سرعان ما وجد نفسه وسط موجة الثورات العربية، فجاء إنتاجه ليواكب هذه الموجة، حتى لاقت صدى غير متوقع من التفاعل من قبل الشباب العربى نظرا لتركيزه على أحداث الثورات العربية بصورة كوميدية ساخرة. كما جاء موقع "تويتر"، الذى لقى إقبالا من قبل الشباب خلال ثورة 25 يناير، ليساهم فى نشر الكثير من أخبار الثورة السريعة وتحركات الثوار بشكل لحظى، لتنتقل بشكل سريع لملايين البشر فى مصر والعالم.