عبر الفيديو كونفرانس.. الرئيس السيسي ونظيره الروسي يشهدان حدثًا تاريخيًا بمشروع الضبعة النووى اليوم    نادي القضاة: انتخابات النواب 2025 لم يشرف عليها القضاة وأعضاء النيابة العامة    بعد انسحاب "قنديل" بالثالثة.. انسحاب "مهدي" من السباق الانتخابي في قوص بقنا    أخبار مصر: حدث عالمي يشهده السيسي وبوتين اليوم، حفل جوائز الكاف، "مجلس دولي" غير مسبوق لغزة، هل يهدد "ماربورج" مصر    جبران يلتقي مدير «العمل الدولية» بجنيف ويؤكد التزام مصر بالتعاون    أسعار الفاكهة اليوم الاربعاء 19-11-2025 في قنا    طن عز بكام.... اسعار الحديد اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 فى المنيا    وزير الزراعة: حماية الرقعة الزراعية أولوية قصوى.. ولا تهاون في مواجهة التعديات    مع جورجينا وإيلون ماسك.. رونالدو يلتقط سيلفى فى البيت الأبيض    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 100 فلسطيني شمالي الخليل    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    أبرزها دولة فازت باللقب 4 مرات، المنتخبات المتأهلة إلى الملحق الأوروبي لكأس العالم 2026    طقس مستقر ومشمس في المنيا اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 وارتفاع تدريجي في درجات الحرارة    محكمة الاتحاد الأوروبي تعتزم إصدار حكمها بشأن وضع أمازون كمنصة كبيرة جدا    اليوم.. العرض الأول لفيلم "اليعسوب" بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    خبراء: الأغذية فائقة المعالجة تعزز جائحة الأمراض المزمنة    طريقة عمل كيكة البرتقال الهشة بدون مضرب، وصفة سهلة ونتيجة مضمونة    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    برنامج فعاليات وعروض أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي اليوم    الاتصالات: الأكاديمية العسكرية توفر سبل الإقامة ل 30095 طالب بمبادرة الرواد الرقمين    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    أكثر من 30 إصابة في هجوم روسي بطائرات مسيرة على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات البورصة.. الأربعاء 19 نوفمبر    إسعاد يونس ومحمد إمام ومى عز الدين يوجهون رسائل دعم لتامر حسنى: الله يشفيك ويعافيك    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    البيت الأبيض: اتفاقية المعادن مع السعودية مماثلة لما أبرمناه مع الشركاء التجاريين الآخرين    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    شبانة: الأهلي أغلق باب العودة أمام كهربا نهائيًا    أوكرانيا تطالب روسيا بتعويضات مناخية بقيمة 43 مليار دولار في كوب 30    "النواب" و"الشيوخ" الأمريكي يصوتان لصالح الإفراج عن ملفات إبستين    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    مصرع شاب وإصابة اثنين آخرين في انقلاب سيارتي تريلا بصحراوي الأقصر    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    مصرع شاب وإصابة اثنين في انقلاب سيارتي تريلا بالأقصر    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    في ذكرى رحيله.. أبرز أعمال مارسيل بروست التي استكشفت الزمن والذاكرة والهوية وطبيعة الإنسان    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    سويسرا تلحق بركب المتأهلين لكأس العالم 2026    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أسامة كمال: الجلوس دون تطوير لم يعد مقبولًا في زمن التكنولوجيا المتسارعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    تحريات لكشف ملابسات العثور على جثة شخص في الطالبية    زيورخ السويسري يرد على المفاوضات مع لاعب الزمالك    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    طيران الإمارات يطلب 65 طائرة إضافية من بوينغ 777X بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم الرفاعي .... أسد الصاعقة
في ذكري تحرير سيناء
نشر في المصريون يوم 26 - 04 - 2016

في السابع والعشرين من يونيه عام 1931 ولد إبراهيم الرفاعي في محافظة الدقهلية ، ولم تكن أسرته آنذاك تعلم أن هذا الوليد سيسطر اسمه بحروف من النار والنور في سجلات المجد والتاريخ ، نعم نار ونور .
إذ كان اسم إبراهيم الرفاعي يمثل ناراً .. ويتقد جمراً علي القادة الإسرائيليين وجنودهم ، وعلي الجانب الأخر كان هذا الاسم هو الملاذ الآمن والحل الأمثل والأسرع والأصوب تجاه المشكلات التي كان يسببها العدو الإسرائيلي للمصريين.
فكان إبراهيم الرفاعي ذلك الأسد الجسور هو السهم الأصلب في كنانة القيادة المصرية آنذاك .
إبراهيم الرفاعي ... أسطورة الصاعقة، لا يمكن لأي قارئ عن هذا البطل إلا أن يقف مشدوها أمام سيرته العطرة .. بل أنه لا يستطيع أن يمنع جسده من الاهتزاز أثر هذه القشعريرة الداخلية والهزة الوجدانية التي تصبه عبر القراءة عن هذا البطل .. فقد خلق هذا البطل ليحارب .. خلق ليدافع عن الدين والأرض والعرض فتكاملت فيه الصفات النفسية والجسدية ليكون مقاتلاً من نوع فريد .
فهو مبهر علي المستوي الإنساني ومبدع في جمال الأبوة ورهافة الحس والوجدان .. وفي ميدان المعركة هو النمر الجريح فلا تري فيه عيبا ً إلا الصرامة والتحدي والإصرار.
فمصطلحات الخوف والهدوء والتمهل وقرارات الهدنة ووقف إطلاق النار قد محاها الرفاعي من حياته .. بل ومن حياة المحيطين به فتكونت تلك المجموعة الرائعة المسماة ( المجموعة 39 قتال ) .. والتي سطرت بدمائها وبذلها أعظم البطولات .
الرفاعي ... رحلة حياة
ورث ابراهيم الرفاعي عن جده الأميرالاى عبد الوهاب لبيب التقاليد العسكرية الراقية .. والرغبة في التضحية فدائاً للوطن .. وكانت تنشئته الدينية وتمسك عائلته بالتقاليد الإسلامية .. لها أكبر الأثر علي أخلاق الرفاعي وثقافته .. إذ كان دائما ما يكرر لأفراد مجموعته قبل كل عملية من عملياته الخاصة عبارة ( يا أولاد نحن نقاتل في سبيل الله ) .
التحق الرفاعي بالكلية الحربية عام 1951 .. وتخرج منها في 27/6/1954 وحصل علي درجة أركان الحرب عام 1959 .. وعقب تخرجه عمل بسلاح المشاة .. ثم انضم إلي أول فرقة للصاعقة المصرية في منطقة أبو عجيلة .. وخلال هذه المدة كان الرفاعي يبهر كل قادتة ومعلمية لشجاعته وجرأته وقدرته علي القيادة والابتكار .
تم تعيينه مدرسا ً بمدرسة الصاعقة .. وشارك في تكوين وبناء أول لبنات قوة الصاعقة المصرية .. وتم اختياره لتدريب الفدائيين الفلسطينيين علي أساليب القتال ومهاراته .
اشترك في حربي بورسعيد عام 1956 .. وحرب اليمن عام 1962 .. وكانت هذه الحروب هي المحك الرئيسي الذي صقل الرفاعي .. ففي بورسعيد وجد نفسه مقاتلاً وجها لوجه أمام الطغيان الإسرائيلي والعدوان الثلاثي .. وكان هذا العدوان هو الفتيل الذي أشعل الشجاعة في صدر الرفاعي ، إذ هو بتركيبته النفسية شهم وجسور وذو كبرياء يأبى الظلم ولا يرضي بالهضم ولا بالضيم .
وعلي أثر هذه الحرب التحق الرفاعي بفرقة المظلات ليكتسب مهارات وخبرات تؤهله لما وطن نفسة عليه ، وعقب هذه الدورة التدريبية تم صقل الرفاعي واختير لقيادة وحدات الصاعقة المصرية كرئيس للعمليات .. وجاء في التقرير الذي سبق هذه الترقية أنه ( ضابط مقاتل من الطراز الأول جرئ وشجاع .. ويعتمد عليه ، يميل إلي التشبث برأيه ، محارب ينتظره مستقبل باهر ) .
في عام 1967 أصابته صدمة كبيرة .. وهزه عنيفة عقب نكسة يونيو .. إذ أن طبيعة هذا الأسد الهصور تأبي الانسحاب .. وتأبي التخلي عن الأرض إلا بثمن واحد وهو الدم .. فأصيب بقرحة حادة في المعدة .. حتى أن زوجته كانت تطلب منه فيما بعد ألا يخرج بنفسه في العمليات الخاصة .. فكان رده قاطعاً وجاهزاً وسريعاً " طول ما أنا عايش لازم اليهود يخرجوا من مصر " .
الرفاعي بطل رد الإعتبار
وبعد هزيمة 1967 أرادت القيادة المصرية أن تعيد الثقة للقوات المسلحة وللشعب المصري علي حد سواء .. فقررت تشكيل مجموعة من الفدائيين للقيام ببعض العمليات الخاصة داخل العمق الإسرائيلي لتحقيق مجموعة من الأهداف ، منها رد اعتبار القوات المسلحة المصرية ،وإعادة ثقتها بنفسها ، وقهر الحاجز النفسي الذي خلفته الهزيمة ، والقضاء علي إحساس العدو الإسرائيلي بأنه جيش لا يقهر .
ولم يكن لهذه المهام الثقيلة إلا الأسد الغضوب إبراهيم الرفاعي .. فوقع الاختيار عليه لتكوين هذه المجموعة .. واختار الرفاعي أبناءه بعناية حتى تكونت أشرس وأعنف مجموعة قتال عرفتها الحروب عبر تاريخها الطويل المجموعة 39 قتال .. تلك المجموعة التي عبر بها الرفاعي قناة السويس أكثر من 70 مرة قبل حرب أكتوبر نفذ خلالها عمليات بطولية تفوق الوصف ويعجز عن إدراكها الخيال .. فكانت نيران الرفاعي ورجاله هي أول نيران مصرية تطلق في سيناء بعد نكسة يونيو 1967 .
فقد نسف مع مجموعته قطارا ً للجنود والضباط الاسرائليين عند منطقة الشيخ زويد .
وبعدها صدر قرار من القيادة المصرية بنسف مخازن الذخيرة التي خلفتها القوات المصرية إبان الانسحاب .. وكان نجاح هذه العملية ضربا ً من الخيال بل كان نوعا ً من المستحيل .. ولكن الرفاعي ورجاله تمكنوا من الوصول إليها وتفجيرها حتى إن النيران ظلت مشتعلة في تلك المخازن ثلاثة أيام كاملة .
وفي مطلع عام 1968 نشرت إسرائيل مجموعة من صواريخ أرض – أرض لإجهاض أي عملية بناء للقوات المصرية .. وعلي الرغم من أن إسرائيل كانت متشددة في إخفاء هذه الصواريخ بكل وسائل التمويه والخداع .. إلا أن وحدات الاستطلاع كشفت العديد منها علي طول خط المواجهة .
ولم يكن الفريق أول عبد المنعم رياض في هذه الأثناء يعرف طعما للنوم أو الراحة أو التأجيل أو الاسترخاء في معركته التي بدأها من أجل إعادة بناء القوات المسلحة المصرية .. فأرسل علي الفور إلي المقاتل الثائر إبراهيم الرفاعي .. وكان الطلب " إسرائيل نشرت صواريخ في الضفة الشرقية .. عايزين منها صواريخ يا رفاعي بأي ثمن لمعرفة مدي تأثيرها علي الأفراد والمعدات في حالة استخدامها ضد جنودنا " .
انتهت كلمات رئيس الأركان .. وتحول الرفاعي إلي جمرة من اللهب .. فقد كان يعشق المخاطر ويهوى ركوب الأخطار .. ولم تمض سوي أيام قلائل لم ينم خلالها إبراهيم الرفاعي ورجاله .. فبالقدر الذي احكموا به التخطيط احكموا به التنفيذ .. فلم يكن الرفاعي يترك شيئا ً للصدفة أو يسمح بمساحة للفشل .
فكان النجاح المذهل في العملية المدهشة فعبر برجاله قناة السويس وبأسلوب الرفاعي السريع الصاعق الخاطف أستطاع أن يعود وليس بصاروخ واحد وإنما بثلاثة صواريخ .. وأحدثت هذه العملية دويا ً هائلا ً في الأوساط المصرية والإسرائيلية علي حد سواء حتى تم علي إثرها عزل القائد الإسرائيلي المسؤول عن قواعد الصواريخ .
ووصف الجنرال الذهبي عبد المنعم رياض هذه العملية بقوله ( كانت من المهام الخطيرة في الحروب .. ومن العمليات البارزة أيضاً التي ارتبطت باسم الرفاعي عندما عبر خلف خطوط العدو في جنح الليل .. ونجح في أسر جندي إسرائيلي عاد به إلي غرب القناة ".
وكان هذا الأسير هو الملازم / داني شمعون .. بطل الجيش الإسرائيلي في المصارعة ولكن الرفاعي أخذه من أحضان جيشه إلي قلب القاهرة دون خدش واحد .
وتتوالي عمليات الرفاعي الناجحة حتى أحدثت رأيا عاماً مصرياً مفاده " أن في قدره القوات المصرية العبور وإحداث أضرار في الجيش الإسرائيلي " .. بل إنها دبت الرعب في نفوس الاسرائليين حتى أطلقوا علي الرفاعي ورجاله مجموعة الأشباح .
وصبيحة استشهاد الفريق عبد المنعم رياض طلب عبد الناصر القيام برد فعل سريع وقوي ومدوي حتى لا تتأثر معنويات الجيش المصري باستشهاد قائده .. فعبر الرفاعي القناة واحتل برجاله موقع المعدية 6 .. الذي أطلقت منه القذائف التي كانت سبباً في استشهاد الفريق رياض .. وأباد كل من كان في الموقع من الضباط والجنود البالغ عددهم 44 عنصرا ً إسرائيليا ً.. وقتل بعضهم بالسونكي فقط .
حتي أن إسرائيل من هول هذه العملية وضخامتها تقدمت باحتجاج إلي مجلس الأمن في 9 مارس 69 .. يفيد أن جنودهم تم قتلهم بوحشية .. ولم يكتف الرفاعي بذلك بل رفع العلم المصري علي حطام المعدية 6 .. بعد تدميرها وكان هذا العلم يرفرف لأول مره علي القطاع المحتل منذ 67 .. ويبقي مرفوعاً قرابة الثلاثة أشهر .
وعقب اتفاقية روجرز لوقف إطلاق النار .. سمح له الرئيس جمال عبد الناصر بتغيير اسم فرقته من المجموعة 39 قتال إلي منظمة سيناء العربية .. وسمح له بضم مدنيين وتدريبهم علي العمليات الفدائية .. وتم تجريدهم من شاراتهم ورتبهم العسكرية .. ودفعت بهم القيادة المصرية خلف خطوط العدو ليمارسوا مهامهم دون أدني مسؤولية علي الدولة المصرية .
وفي 5 أكتوبر 1973 استدعي السادات الأسد الهصور من مكمنه وأعاد للرفاعي وأفراد مجموعته شاراتهم ورتبهم واسمهم القديم ( 39قتال ) .. وكذلك شعار مجموعتهم ( رأس النمر ) الذي اختاره الرفاعي شعاراً لهم وذلك تمهيدا ً لحرب التحرير .
الرفاعي .. أعظم العمليات خلف الخطوط
كان الرفاعي يعلم أن الوقت يقترب ليس من نهايته فحسب .. وإنما من نهاية الوجود الإسرائيلي علي أرض سيناء أيضاً .. فاستعد جيداً للحرب ، وكان دائماً ما يردد أن الطريق الوحيد لاستعادة الأرض والكرامة هو القتال .. وجاء الموعد الذي انتظره الرفاعي طويلاً .
وبدأت معركة السادس من أكتوبر وانطلقت كتيبة الصاعقة بقيادة أسدهم الجسور في ثلاث طائرات هيلكوبتر .. وتم إسقاطهم خلف خطوط العدو .. وظل الرفاعي ورجاله يقاتلون في أكثر من اتجاه .. رأس شيطاني .. العريش .. شرم الشيخ .. رأس نصراني .. سانت كاترين .. ممرات متلا .. بواقع ضربتين أو ثلاث في اليوم الواحد حتي ذهلت المخابرات الإسرائيلية من قوة الضربات وسرعتها ودقتها .
ففي صباح 6 أكتوبر هاجم الرفاعي محطة بترول بلاعيم لتكون أول عملية مصرية في عمق إسرائيل .
ثم مطار شرم الشيخ صباح ومساء السابع من أكتوبر .
ثم رأس محمد ، وشرم الشيخ نفسها طوال يوم 8 أكتوبر .
ثم شرم الشيخ للمرة الثالثة في 9 أكتوبر .
ثم مطار الطور الإسرائيلي في 10 أكتوبر .
واستطاع في هذا اليوم قتل جميع الطيارين الإسرائيليين الموجودين في المطار .
ثم قام بدك مطار الطور مرة ثانية في 14 أكتوبر .
ثم آبار البترول في الطور يوم 15،16 أكتوبر .. وكان لهذه الضربة أقوي الآثار في تشتيت دقة وتقليل كفاءة تصوير طائرات التجسس والأقمار الصناعية الأمريكية .
الرفاعي .. وتدمير الثغرة
وفي يوم 18 أكتوبر تقدم السفاح شارون ومعه 200 دبابة من أحدث الدبابات الأمريكية .. ومعه لواء من جنود المظلات الإسرائيلية .. وهم أكفأ وأشرس جنود الجيش الإسرائيلي ويحميه الطيران الإسرائيلي .. وتقدمت هذه الجحافل للاستيلاء علي مدينة الإسماعيلية .. وتم الدفع باللواء 23 مدرع ليواجه القوات الإسرائيلية .. ولكن الدبابات الأمريكية والتغطية الجوية القوية كبدت اللواء المصري خسائر فادحة .. مما أجبر القيادة المصرية علي سحبه .
وفي هذه الأثناء دق هاتف الرفاعي .. فرفع السماعة وقال من ؟؟
أجاب الطرف الأخر .. السادات معاك يا رفاعي تعالي دلوقتى حالاً .. وكانت الأوامر أوضح من ضوء الشمس في كبد النهار .. ولكنها كانت أصعب ما قام به الرفاعي علي مدار تاريخه كله .. الموقف خطير يا رفاعي .. مطلوب أن تعبر برجالك شرق القناة وتخترق مواقع العدو حتى تصل إلي منطقة الدفرسوار .. وتدمر المعبر الذي أقامة الإسرائيليون وإلا تغير مسار الحرب كلها .
كانت الكلمات واضحة وحاسمة من القيادة .. وعاد الرفاعي إلي مجموعته وهو يحمل فوق كاهله عبء تغيير مسار الحرب ، ويحكي علي أبو الحسن وهو أحد الرجال الشجعان الأكفاء في مجموعة الرفاعي هذه الأحداث فيقول ( كنا بعد كل عملية كأننا نولد من جديد .. فكنا ننزل في أجازة ، ولكن بعد الثغرة .. عدنا إلي مقرنا وتوقعنا أن ننزل أجازة .. ولكننا وجدنا الرفاعي سبقنا إلي المقر .. وفوجئنا أن هناك سلاح يتم صرفه لنا .. وكله مضاد للدبابات .. وكانت الأوامر أن نعود إلي الإسماعيلية لتدمير المعبر الذي أقامة العدو .. ودخلنا الإسماعيلية ورأينا الأهوال مما كان يفعله الاسرائيليون بجنودنا من الذبح وبقر البطون ، والعبور فوق الجثث بالدبابات .
وكان العائدون من الثغرة يسألون سؤالاً واحدا ً... أنتم رايحيين فين ؟؟ فقد تحولت هذه المنطقة إلي الجحيم .. ولا أخفي أننا كنا نسأل أنفسنا هذا السؤال ... إحنا رايحيين فين ؟؟
ولكن الرفاعي لم يكن يعرف إلا اتجاها ً واحدا ً .. وهدفا ً واحدا ً .. وهو إيقاف التوغل الإسرائيلي .
دخلنا بمجموعة سيارات وكنت أجلس في السيارة الأخيرة .. وكانت سيارة الذخيرة وكان هذا خطر جداً .. لأن أي كمين يضرب السيارة الأولي والأخيرة سيوقف المهمة كلها .. ورأي أحد السائقين 3 مواسير دبابات تختفي وراء تبة رمال ، وكانوا ينتظروننا بعد أن رأونا وأبلغنا السائق باللاسلكي .. وصدرت الأوامر بالتراجع .. ثم أدخلنا السيارات تحت الشجر وترجلنا ومعنا أسلحتنا.. واستطعنا أن نكون في مواجهة مباشرة مع دبابات العدو الإسرائيلي.
وهنا صرخ الرفاعي قائلا ً الرجل بدبابة يا أبطال، وكانت كلمات الرفاعي لا ترد وانطلقنا لنوقف الزحف الإسرائيلي وتحول المشهد إلي جحيم ، ويدعي شارون الإصابة ويربط رأسه.. ويطلب هليكوبتر لتنشله من جحيم الرفاعي ورجاله .. مما دفع الجنرال جونين قائد الجبهة الإسرائيلي في ذلك الوقت بالمطالبة بمحاكمة شارون لفراره من أرض المعركة .
واستطاعت المجموعة 39 قتال أن تفجر المعبر وأن توقف الزحف الإسرائيلي .
وداعاً .. أسد الصاعقة
لم يكتف الرفاعي بما حققه وإنما في اليوم التالي 19 أكتوبر أمر رجاله أن يستعدوا لمعركة شرسة في محاولة منه لتدمير قوات العدو .. فقسم الرفاعي مجموعته إلي ثلاث فرق .. وحدد لكل مجموعة هدف .. وفوجئ العدو بما لم يكن في حسبانهم فقد وجدوا وابلاً من النيران يمطر عليهم من كل اتجاه .
ويحكي أحد أفراد المجموعة ذلك المشهد فيقول : وهجنا هياج الموت .. وصعد أربعة منا فوق قواعد الصواريخ .. وكان الرفاعي من ضمننا وبدأنا في ضرب دبابات العدو .. وبدأوا هم يبحثون عن قائدنا حتى لاحظوا أن الرفاعي يعلق برقبته ثلاث أجهزة اتصال .. فعرفوا أنه القائد وأخرجوا مجموعة كاملة من المدفعية لضرب الموقع الذي يقف فيه الرفاعي .. ولكننا رأيناهم فقفزنا من فوق قاعدة الصواريخ ولكن الرفاعي لم يقفز .. فحاولت أن أسحب يده ليقفز .. ولكنه زغدني ورفض أن يقفز .. وظل يضرب بشراسة حتى أصابته شظية أغرقت جسده بالدم .. فطلبنا سيارة عن طريق اللاسلكي وكنا نشك في قدرة أي سيارة علي الوصول للقصف الشديد .. ولكن سائقا ً اسمه (سليم) غامر بنفسه وحضر بسرعة .. ووضعنا الرفاعي فيها ولكن السيارة غرزت في الرمال .. فنزل السائق وزميله لدفعها وركبت أنا وقدت السيارة ولم أتوقف حتى يركبوا معي من شدة الضرب المركز علينا فتعلقوا بالسيارة من الخلف وسحبتهم ورائي وكان الرفاعي عادة ما يرتدي حذاء ً ذا ألوان مختلفة عن بقية المجموعة وعندما رأي زملاؤنا حذاءه أبلغوا باللاسلكي أن الرفاعي أصيب .. وسمعهم اليهود وعرفوا الخبر .. وكانت فرحتهم لا توصف حتى أنهم أطلقوا الهاونات الكاشفة احتفالاً بإصابة الرفاعي .
وعلي الفور علم السادات بإصابة الرفاعي في أرض المعركة .. فأمر بضرورة إحضاره فوراً إلي القاهرة بأي ثمن.. وبالفعل ذهبنا إلي مستشفي الجلاء .. وكان الأطباء في انتظارنا فنظروا إليه والدماء تملاً صدره .. وقالوا هيا بسرعة ( أدخلوا أبوكم إلي غرفة العمليات ) فأسرعنا به ودخلنا معه.. ورفضنا أن نخرج فنهرنا الطبيب .. فطلبنا منه أن ننظر إليه قبل أن نخرج فقال : أمامكم دقيقة واحدة فقبلناه في جبهته .. وأخذنا مسدسه ومفاتيحه ومحفظته.. ولم نستطع أن نتماسك لأننا علمنا أن الرفاعي قد استشهد .
وكان هذا اليوم يوم الجمعة 27 رمضان .. وكان صائما ً فقد كان رحمه الله يأمرنا بالإفطار ويصوم هو .
وقد تسلمنا جثمانه بعد ثلاثة أيام وفي حياتنا لم نر ميتا ً يظل جسمه دافئاً بعد وفاته بثلاثة أيام وتنبعث منه رائحة المسك .. رحمه الله .
الرفاعي .. أطول عمراً
مات الرفاعي وعمره لم يتجاوز 42 سنه .. ولكن ذكراه لا يزال شذاها يفوح عطراً رغم مرور أكثر من 75 سنه علي ميلاد هذا البطل العظيم .. ليثبت حقاً أن أعمار الرجال لا تقاس بسنوات بقائهم علي ظهر الدنيا.. وإنما بثمرات عطائهم فيها .
نعم ... هو العمر القصير لإبراهيم الرفاعي ولكنه التاريخ المسطر بالذهب كتبه الرفاعي بدمائه وإصراره وعزيمته ورجولته .
عاش من أجل دينه ومن أجل وطنه.. ومن أجل تحرير أرضه والدفاع عن عرضه فعاش كبيراً ومات كبيراً .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.