بمجرد ذكر كلمة الدعوي والحزبي يهب فريق من داخل الحركة الإسلامية لمهاجمة الكاتب واتهامه بأنه لا يفهم المعني الكلي للشريعة التي اعتنت بكل مناحي الحياة وأن الفصل بين الدعوي والحزبي هو من سبيل فصل الدين عن الدولة وانتهاج المنهج القائل بأنه لاسياسة في الدين ولا دين في السياسة ، ولا يفوت علي كاتب هذه السطور هذه البداهة ولكنني وعلي ضوء المعايشة الكاملة لتجربة العمل السياسي ذي المرجعية الإسلامية أرصد جملة من التحولات التي أثرت في المشهد المصري بشكل عام والخارطة الإسلامية بشكل خاص من جراء الخلط الواضح وتوهان الحدود الفاصلة بين الدعوي والسياسي في كثير من الأحيان وتوظيف الدعوي في خدمة السياسي في كل الاحيان ، لتكون هذه التحولات حكما في مسألة حتمية الفصل بين الدعوي والحزبي ، ونموذجا مصغرا من مراجعات تأخرنا كثيرا في إجرائها ودافعا لاتخاذ جملة من القرارات المحورية التي يحتم الواقع المضي قدما في اتخاذها . التحول الاول .. الهجرة الجماعية الاختيارية اللاوعية من منابر الدعوة الي منابر السياسة في الفترة من 25 يناير 2011 وحتي 30 يونيو2013 ثم تلاها التهجير القصري لمن بقي علي المنابر من غير المنتمين للمؤسسات الرسمية ، وهذا التحول أحدث نتائج كارثية علي مستوي الحركة الإسلامية ذاتها من حيث تبدل الأولويات وتغير الرؤي وعلي مستوي العلاقة بين الحركة ورصيدها الاستراتيجي وظهيرها الطبيعي فوهنت العلاقة بين الحركة والمجتمع . التحول الثاني ... النزيف المجتمعي الحاد الذي أصاب جسد الحركة الإسلامية في ارتداد طبيعي لترك الدعوة والعمل الاجتماعي والخيري المتفق عليه والانتقال الي العمل السياسي والحزبي المختلف حوله والخروج من ساحة احتياج المجتمع إلي الدعاه والدخول في مساحات الاحتياج إلي الناس وأصواتهم فتحولت الحركة الإسلامية من منزلة العطاء الي مستنقع الأخذ ومن مرتقي المطلوب الي منحدر الطالب ومن خيرية اليد العليا الي دونية اليد السفلي التحول الثالث ... التمدد الواعي لخصوم الحركة الإسلامية في مناطق الفراغ التي خلفتها الحركة الإسلامية حال الإنتقال اللاواعي من منابر الدعوة الي منابر البرلمان ، فانقض هؤلاء علي رموز الحركة الإسلامية تشويها وتجهيلا حتي إذا ما أيقنوا تصدع خط الدفاع الأول وانشغاله بمعارك وهمية انتقلوا الي الخط الأقوي يشككون في البخاري ومسلم والسنة بكليتها لهدم منظومة الفكر الإسلامي من جذورهاواستبدالها بمنظومة فكرية وهوياتية جديدة التحول الرابع ... حالة الشرخ غيرالمنتظر برئه علي المدي القريب داخل الحركة الإسلامية ذاتها والتحول من حالة الخلاف المكتوم بين مفرداتهافترة العمل الدعوي الي مرحلة تكسير العظام والاتهام بالتخوين والعمالة في مرحلة العمل السياسي ومن ثم غياب شمس التكامل الي ما شاء الله وحرمان الحركة من تكاتف الجهود وتجميع القوي لصالح المشروع الإسلامي بشكل عام والدولة المصرية بشكل خاص التحول الخامس ... اشتعال الصراع بين الحركة الإسلامية والحركات السياسية الأخري التي كان من الممكن أن تكون العلاقة بينهم تشاركية تكاملية لصالح الوطن ومشروعه ، فهذه الحركات استشعرت أنها أمام مارد كبير يتحول وفق منظورهم من القيمية الي البرجماتية ومن التشاركية الي الانتهازية السياسية وخاصة في المواقف المفصلية مثل البرلمانية 2012 والرئاسية والتأسيسية وغيرها ، إضافة الي الخلافات الأيدلوجية الحادة بين الجانبين ، فضلا عن الممارسات غير المسؤلة التي قامت بها بعض هذه التيارات السياسية وأسهمت في تفخيخ المشهد المصري بحثا عن مصالح ضيقة وإبعادا للتيار الإسلامي عن قاطرة القيادة ، كل ذلك عمق الفجوة ووسع الهوة بين الفريقين وخلق مناخا من عدم الثقة وجدارا من التخوين ربما لا تداويه دعاوي الاصطفاف التي تنطلق بين الحين والأخر التحول السادس ... اتهام المشروع الإسلامي بالعجز عن الوفاء بمتطلبات المرحلة بعد أن كان أملا للجماهير ، في انعكاس مباشر للإخفاق السياسي علي أثر الترويج الدائم والادعاء المستمر للإخوان المسلمين وغيرهم أنهم الممثلين الحصريين للمشروع الإسلامي وديمومة الربط بين مشروعاتهم السياسية الخاصة والمشروع الإسلامي لتحقيق مشروعية وقدسية زائفة فضلا عن التوظيف الدائم لكل ما هو ديني لخدمة كل ما هو سياسي وعلي أثرعجز النخبة السياسية المتصدرة للمشهد السياسي الإسلامي عن إجراء مراجعات حقيقية ومواجهة الجماهير بأنهم بشر يخطئون ويصيبون وأن مشروعهم السياسي أخفق لأنه في الحقيقة فقد الرؤية وانحرفت بوصلته بشكل كبير وجاف الكثير من القواعد الكلية للشريعه ولم يراع روحها وأهمل ترتيب الأولويات وأغمض عينه عن الواقع المحيط وتجاهل موازين القوي واصطدم بالسنن الكونية التي لا تحاب أحدا . هذه بعض التحولات السلبية التي حدثت من جراء الانتقال اللاواعي من قمم الدعوة الي دهاليز ومنحدرات وصحاري العمل السياسي ،وربما لو كان التحول واعيا وأكثر إدراكا للمخاطر المحيطة لما حدثت تلك السلبيات ، ولا تفهم كلماتي باعتباري داعية الي ترك العمل السياسي ولكنها تفهم في اطار احترام التخصص كقيمة مطلقة داخل الحركة الاسلامية وأن يعود الدعوي الي قدسيته وشموله ويتحرر من قيود ومنافسات العمل السياسي ، علي أن تبقي مدرسة العمل السياسي ذي المرجعية الإسلامية أحد أهم المدارس التي تثري التجربة المصرية بشكل عام تخضع للخطأ والصواب وتصيب مرة وتخطأ أخري شأنها في ذلك شأن الأحزاب السياسية كلها إلي أن تنضج التجربة المصرية بكل مكوناتها الإسلامية والمسيحية والليبرالية وغيرها .