يقول تعالى " إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ" والسياق هنا واضح الدلالة على الترتيب والزمن، فمنذ عقود قبل تكليف موسى عليه السلام بالرسالة.. بل ميلاد ونشأة وعمر موسى عليه السلام كله قبل الرسالة عاشه في كنف فرعون الظالم المجرم الطاغية في قصره، أو فارا منه .. وفي محيط هذا المتجبر الذي علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم، ويقتل حتى الأطفال الرضع، فهو قمة من قمم الاجرام والتكبر.. في محيطه القريب جدا تحيا نفسين مؤمنتين.. امرأته التي كرمها الله تعالى من فوق سبع سماوات فجعلها واحدة من أربع هن سيدات نساء الأولين والآخرين سيدتنا "آسيا" عليها رضوان الله التي ضربها الله تعالى مثلا خالدا للذين آمنوا.. كما يحيا رجل مؤمن يكتم إيمانه.. هذا الرجل العظيم الذي خلد القرآن الكريم موقفه.. والذي عاش في كنف فرعون عقودا وهو يراه سادرا في غيه لكنه لم يتخذ موقف المواجهة إلا في اللحظة التي قدرها أنها لحظة حاسمة، فقال قولته الخالدة: "أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟!".. ويخلد موقفه القرآن الكريم دون أن ينعي عليه كتمه إيمانه كل تلك العقود السابقة.. لنعلم أن الرجال مواقف.. فلا آسيا فارقت زوجها قبل اللحظة الحاسمة، ولا الرجل المؤمن الذي تخفى بإيمانه فارقه قبل تلك اللحظة.. ولم يكن أيهما نبيا يوحى إليه بتحديد تلك اللحظة.. وإنما كان تحديدها متوقفا على وعيهما بدورهما في بلاط الفرعون.. فإلى الذين يحاسبون الشامخين في المواقف بالقطمير تفتيشا في ماضيهم وحاضرهم ويسألونهم عن سكناتهم وحركاتهم، وصمتهم وكلامهم.. أولى بكم والحال كذلك أن تعيدوا محاكمة "مؤمن آل فرعن" فتصدروا في حقه حكما غير ما أصدر القرآن الكريم.. أعيذكم بالله أن تفعلوا.. وإلا ما فائدة القصص القرآني إلا لو كان لتنميط النماذج البشرية في عوالمنا المتعاقبة؟ إياكم ومحاكمة مؤمن آل فرعون..