الحديث الذي تابعناه هنا حول مشكلات الأقباط وصل إلى نهاية مسدودة بسبب تحكم النخبة العلمانية في تحديد ماهية المشكلات التي يعاني منها الأقباط وتحديد كيفية حل هذه المشكلات. وبسبب هذا الإنفراء والاحتكار العلماني لتكييف مشكلات الأقباط انحصرت هذه المشكلات في وجود الإسلام ذاته وانحصر الحل في فرض العلمانية بالقوة على المسلمين مع تحرك مضاد يزعم إعلاء الهوية القبطية عبر أسلوب يمكن تسميته بأسلوب الحصة الطائفية المقننة في كل جوانب الحياة والتي يتم تحديدها بضعف النسبة العددية للأقباط على سبيل ما يسمى بالتمييز الإيجابي أو التعويض. وما بين تحديد مشكلة الأقباط بالإسلام والحصة الطائفية من ناحية ومشاكل دور العبادة على الجانب الآخر من الطيف تضيع ما يمكن تسميته بالمشكلات الحقيقية للأقباط من وجهة نظر الوطن المصري وليس من وجهة نظر الحفنة العلمانية المتحالفة مع النظام. وهذه المشكلات يمكن إيجازها في كلمات قليلة : الرقم ، التسليع، التسوير وهي تجتمع في كلمة "الحصة" التي تدل عل كل ما هو مصطنع ومعروض على الأقباط ليحولهم من مصريين ومواطنين وبشر إلى كيان شمولي زائف يخدم أغراضا تناقض مصلحة الوطن. والحكاية ببساطة هي أن عملية جرت لتحويل الأقباط من بشر مصريين إلى مجرد رقم وكتلة وسلعة موضوعة في صندوق لسهولة التعامل معهم في سوق التجارة والمساومة السياسية وذلك أسهل بكثير من النظر إليهم كأفراد ومواطنين مصريين. إن التعامل مع الأقباط كمواطنين وبشر يتطلب معاملة طبيعية وعادية وعلى قدم المساواة. لكن التعامل مع الأقباط ككتلة ورقم وسلعة يجعلهم قابلين للتداول في سوق القوى وتبادل المصالح السياسية وتجارة المقايضة والصفقات المتكافئة. وهذا الصنف الأخير من التعامل هو المطلوب لتجار السياسة وطلاب السلطة السياسية والنفوذ لكنه ليس هو المطلوب من وجهة نظر الوطن ومصلحته ولا من وجهة نظر الأقباط كمواطنين عاديين. وفي سبيل تحويل الأقباط من أناس عاديين وطبيعيين ومواطنين مصريين إلى رقم وكتلة وسلعة مجمدة وموضوعة في صندوق لتسهيل التعامل معهم من وجهة نظر القوة السياسية جرت قبل ذلك عملية عزل وتسوير للأقباط وضعتهم خارج الحلبة الوطنية حتى وهم داخلها. وجرت هذه العملية بحجة تعرض الأقباط للاضطهاد والعزلة والإقصاء بينما كانت هذه العملية نفسها هي التي بدأت الإقصاء. ولكي يتم تسويغ التسوير والعزل جرت عملية التكتل الطائفي هذه من خلال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وتحت مسمى ضمان مصلحة الأقباط وتقديم الخدمات لهم وسط ضعف عام بدأ يدب في أوصال الوطن مع الانقضاض على مكاسب الشعب من ثورة يوليو وبدأ خلق الجزيرة القبطية التي قيل أنها سوف تعصم الأقباط من الماء الناتج عن دخول الطوفان الأمريكي الغربي العلماني. ومن خلف السور ومن على ظهر الجزيرة القبطية أتم العلمانيون والكنسيون عملية إلغاء الأقباط وتحويلهم إلى رقم وسلعة وكتلة لا إنسانية الملامح وضاع أقباط الوطن دون أقباط الحصة.