طالب بجامعة الجلالة يشارك في مؤتمر دولي للأمم المتحدة حول الأمن السيبراني    السيسي يفتتح المرحلة الأولى لمدينة مستقبل مصر الصناعية    "البريد" يعلن بدء التقديم في "سكن لكل المصريين 7" اليوم    وزير الإسكان يتابع مشروعات مياه الشرب والصرف ضمن "حياة كريمة" بالغربية ودمياط    تعميق الشراكة، تفاصيل لقاء وزير الخارجية مع نظيره الفرنسي    وزير بريطاني: لم يعد بوسعنا تحمل الهجوم الإسرائيلي على غزة    الأهلي يعود للتدريبات الجماعية استعدادا لمواجهة حسم الدوري    ضربة قوية.. بيراميدز يعلن غياب نجم الفريق عن رحلة جنوب أفريقيا لمواجهة صنداونز    القطعة محتاجة تفكير، آراء طلاب الصف الأول الثانوي بامتحان اللغة الإنجليزية بالبحيرة (فيديو)    النص الكامل لأقوال نوال الدجوي في سرقة مسكنها بأكتوبر    وزير الثقافة يصطحب ولي عهد الفجيرة في جولة بدار الكتب (صور)    أيهما أولى أن يكون إمامًا في الصلاة: الأكثر حفظًا أم الأكثر فقهًا؟.. عالم أزهري يوضح    "القاهرة الفاطمية" ينجح في زراعة قرنية أعادت الإبصار لمريض يرى حركة اليد فقط    جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الأربعاء 21 مايو 2025    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون مَحْرَم؟..الأزهر للفتوى يجيب    «الداخلية»: مصرع 3 عناصر جنائية في تبادل لإطلاق النيران مع الشرطة بالدقهلية وقنا    ال"FDA" تقصر لقاحات الكورونا على كبار السن فى الولايات المتحدة    عصمت داوستاشى رحلة فى نهر الفن والعطاء    محمود الخطيب يرد على تساؤلات من أين يأتي الأهلي بأمواله؟    «التضامن» تقر تعديل وقيد 6 جمعيات فى 4 محافظات    اختتام الأنشطة الطلابية ب ألسن قناة السويس (صور)    أحمد السقا يعلن انفصاله عن زوجته مها الصغير بعد 26 سنة زواج    البيدوفيليا؟!    طريقة عمل الكيكة الإسفنجية في البيت، النتيجة مبهرة    مشاركة مجتمعية    سعر الريال القطرى اليوم الأربعاء 21-5-2025 فى البنوك الرئيسية    صحيفة عكاظ: نيوم قدم عرضا بقيمة 5 ملايين دولار لضم إمام عاشور    أمريكا وتركيا تؤكدان التزامهما بوحدة سوريا وتعزيز الشراكة الثنائية    الصحة الفلسطينية: استشهاد 23 مواطنا بقصف إسرائيلى فى غزة    مصرع 3 أطفال غرقًا فى حادثين منفصلين بترع مركز المراغة سوهاج    ضبط 11 مخالفة تموينية وصحية في حملة مفاجئة بطنطا    "جيو تيان" تبدأ تجاربها 2025.. الصين تطلق أول حاملة طائرات مسيرة فى العالم    مصرع وإصابة 39 شخصا في هجوم استهدف حافلة مدرسية جنوب غربي باكستان    اليوم موسم الحصاد.. تعرف على مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعي والمدينة الصناعية    بتكلفة 175 مليار دولار.. ترامب يختار تصميما لدرع القبة الذهبية    بكين تحذر من عواقب الإجراءات الأمريكية ضد الرقائق الصينية    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    اليوم.. أولى جلسات طعن المخرج عمر زهران على حكم حبسه    حظك اليوم الأربعاء 21 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    أسعار الفراخ اليوم الأربعاء 21-5-2025 بعد الهبوط الجديد.. وبورصة الدواجن الآن    هبوط كبير تجاوز 800 جنيه.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 21-5-2025    المستشار محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية اجتهاد وليس كتابا مقدسا.. لا شيء في العالم عليه إجماع    ثلاثي الأهلي يجتاح قائمة الأفضل ب الدوري في تقييم «أبو الدهب».. ومدرب مفاجأة    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفى والإعلامى (2)    «غزل المحلة» يعلن مفاوضات الأهلي مع نجم الفريق    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    أسطورة ليفربول: مرموش يمكنه أن يصبح محمد صلاح جديد    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    محافظ الدقهلية يشهد حفل تجهيز 100 عروس وعريس (صور)    ننشر أسماء المصابين في حادث تصادم سيارتين بطريق فايد بالإسماعيلية    محافظ الغربية يُجري حركة تغييرات محدودة في قيادات المحليات    رئيس الجامعة الفرنسية ل"مصراوي": نقدم منحا دراسية للطلاب المصريين تصل إلى 100% (حوار)    عاجل.. روجيرو ميكالي: أرحب بتدريب الزمالك ولكن    لميس الحديدي عن أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبدالعزيز: هناك من عايش الزيجة 20 سنة    نائبة تطالب بتوصيل الغاز الطبيعي لمنطقة «بحري البلد» بأسيوط    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    عضو مجلس يتقدم بطلب لتفعيل مكتب الاتصال الخدمي بنقابة الصحفيين (تفاصيل)    «منصة موحدة وكوتا شبابية».. ندوة حزبية تبحث تمكين الشباب وسط تحديات إقليمية ملتهبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.عمار على حسن: مراكز القوى ستغرق «السيسي»
في حواره ل «المصريون»
نشر في المصريون يوم 15 - 03 - 2016


شعبية الرئيس لن يعيدها إلا جدية فى مكافحة الفساد
النظام يتحمل مسؤولية الأزمة الاقتصادية بالبلاد
«انتوا مين» وجهها الرئيس لمعارضيه و«الإعلاميين»
جماعة «الإخوان» مسئولة عن فشل ثورة يناير
الشعب يسأل عن الإنجازات بعد المراهنة على الاقتصاد والأمن
25 يناير لم تكن مؤامرة إنما «ثورة» تم التآمر عليها
قانون التظاهر غير دستورى ومحاكمة الشباب به غير جائزة
الحريات تراجعت.. وقوائم لمنع «المعارضين» من الظهور

كاتب ومحلل سياسي، يحرص دائمًا إذا ما وجد حدث أو ظاهرة سياسية أن يبحث لها عن أسباب، فى محاولة منه باعتباره باحثًا بالأساس أن يضعها تحت التحليل السياسي غير مكتفٍ بالتعاطي الظاهري مع معطيات الأحداث التي تواجهه، إنما يبحث عن الخلفية السياسية والتاريخ الوراثي لما قد تواجهه البلاد من مشكلات وأحداث يعجز الكثير عن فهمها، فنجده يقدم تحليلاً منطقيًا وأسبابًا مقنعة لما نواجهه الآن من مشكلات وأزمات باعتبار أن لها جذورًا تمتد لعقود طويلة.
يعبر عن رأيه دون خوف أو حسابات، الأمر الذى وضعه فى القائمة غير المعلنة للممنوعين من الظهور عبر الفضائيات، إيمانًا منه بأن الرأي أمانة يستحق أن يكون متجردًا فيه إلى النهاية، فلم يتوقف عند توجيه النقد لنظام المخلوع محمد حسنى مبارك، وجماعة الإخوان المسلمين، بل استمر بعد ثورة 30يونيو وحتى الآن يعبر عن رأيه بموضوعية فيما تشهده البلاد من أحداث غير مبالٍ بالتضييق الذي تتم ممارسته.
إنه الدكتور عمار على حسن, أستاذ علم الاجتماع السياسي، يحدثنا في هذا الحوار عن رؤيته لخطاب الرئيس السيسى فى مسرح الجلاء والذى حمل تهديدات وتحذيرات لجهات عديدة لم يسمها، ومَن كان يقصد؟ وأسباب الانفعال الذي بدا عليه الرئيس؟، ولماذا يعجز النظام السياسى بالبلاد على حل الكثير من المشكلات التى تواجهه؟، وكيف يمكن للرئيس التخلص من مراكز القوى التى أصبحت تواجهه وتهدد نظامه من وجهة نظره؟ ولماذا يتحمل التكلفة السياسية للعديد من القرارات الاقتصادية؟ وكيف يمكن للسيسى أن يتسعيد شعبيته بعد أن تراجعت بحسب تصريحاته؟ وما تقييمه لسقف الحريات الآن؟ ولماذا حمل جماعة الإخوان المسلمين مسئولية فشل ثورة يناير فى تحقيق أهدافها؟ وأين المعارضة الموحدة من المشهد السياسى؟, وهل نجح الرئيس بعد إرجاء ملف "الديمقراطية" في رهانه على "الاقتصاد" و"الأمن"؟.
فى البداية.. كيف ترى خطاب الرئيس السيسى الذى ألقاه في مسرح الجلاء وهل استطاع من خلال ما يمكن أن نطلق عليه "الارتجالية" أن يحتوى الشعب؟
الخطاب كان من أكثر خطابات الرئيس انفعالية وخروج عن النص والصورة المعتاد الظهور عليها للشعب والتى كان يحرص فيها على اختيار الألفاظ, فكانت زلات اللسان قليلة، أما هذا الخطاب كان بمثابة خروج تام عن النص واستخدم فيه لغة تهديد واضحة وألفاظ تحذير لقوى سياسية ومخالفين له فى الرأى.
فالرئيس لم يكن يبدو الودود الصابر المتحمل المستوعب القابل لفهم الاختلاف والخلاف كما تعود أن يظهر، إنما كان هناك إصرار فى الظهور من قبل الرئيس على أنه الأوحد الذى يعرف ويفهم والذى يجب أن يقرر والأولى أن يثق فيه الناس ويستمعوا إليه وغير ذلك ليسوا أهلًا للإنصات من قبل الشعب.
ولمن كان يوجه رسائل التحذير والتهديد مِن وجهة نظرك؟
الرئيس وجه رسائله وتهديداته لأطراف عديدة؛ فعندما قال "مَن سيقترب من مصر هشيله من على وش الأرض" كان يقصد جماعة الإخوان المسلمين, وعبارة "إنتوا مين" كان يقصد بها الإعلاميين الذين ارتفعت أصواتهم بنقده وبنقد أداء الحكومة, وهو يتعامل معهم كما كان يتعامل السادات الذى كان ينظر إلى المخالفين معه من المثقفين على أنهم "الأفندية" كما كان يعبر عنهم والسيسى الذى يقتدى به عبر عن ذلك فى أكثر من مرة، فهو يرى أن المشكلة فى مجموعة "الأفندية" الذين يقودون الرأى وينظر إليهم من أعلى ويقول لهم "من أنتم", والسيسي يعتقد أن بتصرفهم يضرون بالدولة وبتماسك أساسها، وفكرة "لا تسمعوا لأحد غيرى" موجهة إلى مناصريه ولكل مَن أصبحوا يختلفون معه؛ لأنه كان دائمًا يردد أنه لا يريد وسيطًا بينه وبين الشعب وهو يحاول أن يتصرف معهم بأبوية كما كان يفعل "السادات".
البعض يقول إن عبارة "مَن أنتم" كانت موجهة لبعض الأجهزة الأمنية داخل الدولة؟
أعتقد أن هذا الاحتمال وارد وليس بعيدًا؛ لأن هناك أجهزة داخل الدولة من الجهاز الأمنى وبعض الأجهزة الرقابية بالدولة وأشخاص داخل الجهاز البيروقراطى والقوى المتمردة من مجتمع المال والأعمال لا يخضعون لسلطان الرئيس بشكل كبير، وملاحظ أن قبضته عليهم ليست كما يجب، وهذه الأجهزة شعرت باطمئنان فى الفترة الماضية وبدأت تتصرف باستقلالية شديدة وهذا أضر بمكانة الرئيس ومقامه، وإذا لم ينتبه إلى ذلك سنعود مرة أخرى إلى زمن مراكز القوى الذى بتنا على أبوابه، وبالفعل أصبح هناك جهات ومؤسسات داخل الدولة بوسعها أن تفعل أى شيء، ولكن في النهاية هى تضره لأنه سيتحمل هذا العبء سياسيًا وهم لن يضروا فى شيء، وحتى إذا قامت غضبة شعبية ستكون ضد الرئيس وهو مَن سيدفع الثمن، وهؤلاء يعتقدون أنهم في مأمن ويتصرفون بهذه الأريحية.
وبم تفسر إصرار الرئيس فى خطابه على تأكيد أنه لن يترك الحكم إلا بانتهاء مدته أو وفاته.. وهل هذا يعتبر ردًا على مَن يطالبونه بانتخابات رئاسية مبكرة؟
هو لا يأخذ هذه الدعوات على محمل الجد، لأن تركيبته النفسية لا تستوعب أن يقول له أحد من معارضيه إنك غير صالح لإكمال المدة، وهذا ما يحركه للخروج والرد، وليس بالضرورة أنه يأخذها على محمل الجد أو أنها قابلة للترجمة على أرض الواقع.
وكيف تفسر الهجوم الذى يتعرض له أداء الرئيس عبر وسائل الإعلام فى الفترة الماضية؟
قلت فى وقت سابق إنه من الممكن في أي لحظة أن يحدث صدام بين الرئيس ورجال الأعمال الذين يتحكمون فى الإعلام، وهذا الصدام حاول أن يتفاداه قدر المستطاع ولكن بعض القرارات الأخيرة المرتبطة برسوم الاستيراد والجمارك أغضبت طبقة كبيرة من المستوردين داخل البلاد وأصحاب الاحتكارات للسلع الذين يملكون أدوات لتحريك أشياء كثيرة داخل الدولة، والأمر الثانى هو أن أى إعلامى يحترم نفسه وجمهوره لا يمكن أن يصفق لما يقوم به الرئيس طوال الوقت، وعلى سبيل المثال حديثه فى خطابه عن بناء اقتصاد دولة ثم ينتهى الأمر إلى "صبح على مصر بجنيه".
وما رأيك فى هذه المباردة.. ولماذا لم يتفاعل معها الشعب بالدرجة التى كان يتوقعها الرئيس؟
هى فكرة تعود إلى العصر المملوكي والسؤال الذي يجب أن يُطرح "أين الضرائب التصاعدية وإعادة توزيع الأراضى على الشباب؟ وليس هذا فحسب بل لماذا لم تتم إعادة تشغيل المصانع القديمة المتهالكة وإصلاح الجهاز البيروقراطى الفاسد وإعادة تسعير الأراضى التى حصل عليها الأباطرة والكفيلة بتوفير عشرات المليارات للبلاد.
الرئيس يتصور أن صندوق "تحيا مصر" الذى لا يعرف عنه الشعب شيئًا يكفى, وهل هناك دولة مدنية حديثة رئيسها لديه صندوق يجمع أموالاً لا أحد يعلم عنه شيئًا إلا هو معتمدًا على أن الشعب يثق فيه ونحن لا نشكك فيه ونثق به لكن الأمور لا تدار بهذه الطريقة والسؤال مَن يضمن أن صندوقًا غير خاضع للرقابة بشكل أو بآخر يفسد أو يُسرق من معاونيه.
فمشكلة الرئيس أنه لا يريد أحد في المشهد سواه فهو صاحب الصندوق والفكرة، والذى يقرر وهذه مسألة لايمكن قبولها وسيترتب عليها أعباء شديدة عليه؛ لأنه في النهاية فرد لديه طاقة محددة وعدد ساعات معينة فى اليوم والدولة لا يمكن أن تدار هكذا.
وكيف ترى الأحداث التى وقعت من تجاوزات لبعض أفراد الداخلية تجاه المواطنين وحادث الصحفى الإيطالى وتأثيرها على صورة النظام فى الداخل والخارج؟
العالم لا يهمه سوى مصالحه، وإذا شعروا بأن مصالحهم مؤمنة بشكل جيد فلن يشغلهم مَن يحكم وكيف يحكم، فالمصلحة هى المبدأ، لذا علينا ألا نعول عليهم كثيرًا، ولكن الأهم صورة النظام لدى الشعب فى الداخل ومدى استعداد الناس إذا جرحت هذه الصورة لإصلاحها لأنه من الوارد أن تُجرح ويصبر الشعب كما جرى فى عصر مبارك.
صرحت بأن مكافحة الفساد أهم من مكافحة الإرهاب.. لماذا؟
لأن الإرهاب عمل أخرق وواضح المعالم وغير مقبول فهو أشبه بمرض يستدعى نشاطًا من جهاز المناعة لمقاومته، عكس الفساد الذى يصيب جهاز المناعة نفسه ويضعف طاقة الدولة التى يمكن تعبئتها من أجل حل مشاكل الناس لذا يظل الفساد أكثر خطورة على الدولة.
ولماذا حتى هذه اللحظة لم تقدم الدولة على خطوة واحدة فى اتجاه مكافحة ذلك الفساد؟
هو ملف واعر ويحتاج إلى شجاعة المواجهة، والرئيس يبدو حين حسب حساباته خشي أن يدخل إلى ما يسمى "عش الدبابير" أو رأى أن هذا الموضوع يحتاج إلى مشرط جراح وليس معول فلاح، ومشكلة هذا التباطؤ أنه ضيع على نفسه لحظة تاريخية كان من الممكن أن يقصم فيها ظهر الفساد والشعب كله كان سيقف وراءه، وحينها كان سيخوض معركته تحت ظهير شعبى لكن الآن بدأ الشعب ينحسر عنه بينما مكّن الفاسدون أقدامهم أكثر وأصبحوا يشكلون عصابات متبجحة توحشت تهدد الرئيس نفسه أحيانًا فهى إمبراطوريات المال الموجودة التى من الممكن أن تسقط البورصة، وتعطش السوق بالدولار أو بعض السلع الهامة لأنهم أصبحوا يملكون ركائز كبيرة جدًا تربت فى عهد مبارك تملك سلطة قوية، والرئيس كان عليه أن يضع خطة للمواجهة التدريجية، وإن كنا نحن لا نرى أى خطة لذلك، وعلى العكس هناك شعور بزيادة الفساد وتوحشه واكتسابه لمناعة فى الخمس سنوات الأخيرة؛ لأنهم رأوا بعد قيام ثورتين لم يحدث لهم شيء.
المستشار هشام جنينة تعرض لهجمة شرسة عبر وسائل الإعلام عندما تحدث عن فساد المليارات.. لماذا؟
الجهاز المركزى للمحاسبات هو جهاز الغرض منه الرقابة على مؤسسات الدولة، والحديث عن الفساد موجه إلى مؤسسات بعينها داخل الدولة، وإلى أفراد داخلها وخارجها، وكان من الطبيعي أنهم يستخدمون كل طاقتهم وإمكانيتهم لمواجهته، لأن الخط الذى بدأه جنينة والذى إذا مضى فيه سيُطاح بها رؤوس كثيرة، وتفضح وتوضع في السجون، لذا خاضوا ضده معركة استباقية من خلال محاولة تشويهه ووصفه أنه إخوانى وتسليط بعض الإعلاميين للنيل منه ومن هيبته ومواقفه، وهذا كان متوقعًا منهم.
وأنا قمت بسؤال المستشار جنينة عن موقف الرئيس منه وأجابنى بأن الرئيس فور توليه الحكم طالبه بأن يعمل بجد وألا يتستر على أحد وهو تصرف على أساس أن هذا تكليفمن الرئيس، إضافة إلى أن هذا واجبه وواجب الجهاز، فكان يمد الرئيس بمئات القضايا ولكنها لم تحرك لأنه لا يوجد لدى السلطة التنفيذية نية حقيقية للحساب على الرغم من أنه عندما تم القبض على وزير الزراعة اعتقدنا أن المعركة قد بدأت، وإذا كانت السلطة تملك حصافة سياسية لالتقطت المعنى والمغزى الذى حدث وقت القبض على وزير الزراعة، وأدركت أنه من الضرورى أن تستمر فى هذا الطريق لأن شعبية الرئيس السيسى التى تراجعت لن يعيدها إليه الآن إلا جدية حقيقية فى مكافحة الفساد، وهو يبحث عن تمويل بالملاليم ولديه أموال بالمليارات؛ لأن مكافحة الفساد بوسعها أن توفر لميزانية الدولة مئات المليارات ولكنه لا يطرق هذا الباب إدراكًا أن هؤلاء توحشوا أكثر من اللازم طوال أربعين عامًا من الانفتاح حتى الثورة وكونوا إمبراطوريات لها امتدادات حتى خارج البلاد لكن هذا لا يعنى أن مواجهتهم مستحيلة إنما تحتاج إلى إرادة سياسية وتعويل على الشعب واختيار اللحظة وتوقع ردود الفعل وتفادى السلبيات التي يمكن أن تحدث نتيجة خوض هذه المعركة، وللأسف لا توجد استراتيجية، والرئيس خلال فترة رئاسته إذا لم يجعل الفساد يتراجع على الأقل للنصف والذى إن نجح فى تحقيقه فسيعتبر إنجازًا كبيرًا له، لأن الفساد ينخر كالسوس فى جسد الدولة المصرية.
وهل تتفق مع الراحل الكبير محمد حسنين هيكل حين طالب الرئيس بالثورة على نظامه؟
صحيح.. واعتبرها جملة عبقرية؛ لأن هيكل كان يفهم أن السيسى جاء راكبًا فوق حصان قديم وكل ما على هذا الحصان يحتاج إلى تغيير، وعليه أن يفعل كما فعل السادات بأن يطيح بمراكز القوى المتواجدة لأن هؤلاء سيغرقونه وإذا لم يتخلص من الفاسدين ومراكز القوى والمنتمين لنظام مبارك، وإذا لم يجدد دماء النظام بأخرى وطنية مدنية ذات كفاءة من أهل الخبرة وليس الثقة فسيشكلون أثقالاً شديدة قد تغرق مركبه.
مَن يصنع القرار داخل البلاد؟
الرئيس يعتمد على حلقة ضيقة من الأجهزة التى على ثقة بها ويعرفها سواء من المؤسسة العسكرية أو من داخل المخابرات الحربية أوالعامة وحتى التقارير والدراسات التى تقدم له من مؤسسات علمية لا بد أن تمر عبر البوابات الأمنية.
كثير ممن قاموا بثورة 25 يناير داخل السجون فى الوقت الذى حُكم فيه بالبراءة على الكثير من رجال مبارك.. كيف ترى هذه المفارقة؟
هذا طبيعي؛ لأن النظام الذي يحكم الآن ليس ممثلاً للثورة ولا مؤمنًا بها وإنما يجاريها ولا يستطيع أن يجاهر بعدائه الصريح لها ولكن بداخله لا يؤمن بها.
ولكننا نشهد بالفعل هجومًا كبيرًا على ثورة 25 يناير وصل إلى حد وصفها بالمؤامرة؟
من يظهرون كرههم للثورة هم أول مَن نافقوها فى البداية ثم عادوا ليقولون إنهم كانوا معها، وأعتقد أن الشعب لا يأخذ كلامهم على محمل الجد فى مقابل الكتلة الرئيسية داخل البرلمان بما فيها الموالية للدولة والتى تحرص على عدم مجاراة هؤلاء فى إعلان عدائها للثورة، لأن تأثير ثورة يناير لا زال موجودًا فى القلوب والوجدان ولها حضور حتى لو كان متواريًا إلى درجة أن السلطة التنفيذية فى أعتى مراحلها لم تجرؤ على المجاهرة بذلك، واضطر الرئيس قبل ذكرى 25ينايرأن يتحدث عن ثورة الشعب المصرى، ورغم أن الوقائع على الأرض تظهر أنها لا تؤمن بهذه الثورة لكن حضور مشهد الثورة والخوف من تجدده لا يزال موجودًا على الرغم من تشويهها والتنكيل برموزها، ولكن حتى هذه اللحظة لديها قوة ردعية لأكبر رأس في هذا البلد بحيث لا يستطيع المجاهرة بعدائها، على الرغم من أن مَن يحيطون بالرئيس يضغطون عليه بأن يجاهر بهذا العداء وحتى حينما يقول ثورة يناير فإن أنصاره من الكتاب والإعلاميين ينتقدونه ويقولون "لماذا تقول ثورة يناير إنها مؤامرة؟" وهو لم يقل ذلك لأنه أول العارفين بأنها لم تكن مؤامرة إنما كانت ثورة تم التآمر عليها.
ومَن تآمر عليها من وجهة نظرك؟
سبع جهات وهى الإخوان والمجلس العسكري، والنظم البيروقراطية والولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الأنظمة في المنطقة العربية التي خافت من نظام ثوري لا يكون على غرار مبارك تابعًا لها، والأحزاب السياسية القديمة التي رأت أن البساط يُسحب من تحت أقدامها وفلول الحزب الوطني بكل ركائزه المادية والإعلامية والأمنية.
والمجلس العسكرى اعتقد أن أقصر الطرق للحفاظ على الدولة هو تفريغ الثورة من مضمونها وهذا حساب خاطئ؛ لأن أقصر طريق للحفاظ على الدولة هو الانتصار للثورة، والإخوان رأوا أن الثورة فرصة ليحققوا مشروعه التاريخى الذى يسمونه "التمكين" والذين أصدروا بشأنه وثيقة عام 2005 فاعتقدوا أن هذه فرصة سانحة للقفز على الثورة على جثث الثوار والشباب الذين هم كانوا من الطليعة المدنية، وهذان الطرفان اضطرا للتحالف فى البداية لتصفية هذه الثورة، وكل منهما يعلم ويعتقد أنه سيأكل الآخر فى الطريق، وهُزم الإخوان وهذا كان طبيعيًا لأن المعادلة كانت مختلة من البداية، لأن الشعب إذا خير بين الجيش وتنظيم الإخوان من المؤكد أنهم سيختارون الجيش وهذه معادلة لا تحتاج إلى تفكير عند المصريين.
وقلت للإخوان أثناء الفترة ما بين انتخابات الرئاسة فى الجولة الثانية وإعلان النتيجة، أن أمامهم ثلاثة خيارات؛ الأول هو الصدام مع الجيش وحذرتهم وقلت لهم: "إذا اصطدمتم معه سنقف مع الجيش قولاً واحدًا"، والسيناريو الثاني هو توافق الإخوان مع القوى المدنية لأنه لا يوجد طرف جاهز للحكم بمفرده وتكون المؤسسة العسكرية جزء من هذا التوافق من أجل الخروج من المأزق، والسيناريو الأخير هو التحالف والتواطؤ مع المجلس العسكرى من أجل تصفية الثورة وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وقلت لمحمد مرسى وقتها: "أنت ستختار السيناريو الأخير" وهذا ما حدث.
إذًا أنت تتفق على أن جماعة الإخوان المسلمين سبب رئيسي في فشل ثورة يناير فى تحقيق أهدافها؟
بالطبع.. وليس منذ ثورة يناير فقط بل منذ زمن بعيد، فعندما أنتجت ثورة 1919 دستور 23 نشأت جماعة الإخوان عام 1928 وتحالفت مع إسماعيل صدقى لتصفية مكتسبات ثورة 19، وبعد ذلك تحالفوا مع الملك لتصفية الوفد، وتحدث حسن البنا عن أن التحزب فسق فى سبيل ضرب الوفد وشرعيته وشعبيته لحساب الاحتلال, وبعد ثورة 1952 أقنعوا الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أنهم رجاله في الشارع وبالتالي ليس هناك حاجة إلى الأحزاب وكان الصدام معه ثم عادوا مع السادات وكذلك مبارك حين أبرموا معهما الاتفاقات وتم استخدامهم كفزاعة وعندما قامت الثورة قاموا كعادتهم بالتواطؤ، وكان على الجيل الجديد منهم بدلًا من الحديث عن المظلومية والزعم بأنهم يدافعون عن الثورة تقديم كشف حساب لتاريخهم ومواقفهم.
قبل ذكرى 25 يناير الخامسة أحجمت كثير من القوى السياسية عن النزول.. لماذا؟
هى كانت أذكى من أن تعطي الإخوان قبلة الحياة ومعنى نزولها أنه سيتم تعويم التنظيم؛ لأنها ستكون فرادى وستصطدم بالشرطة، وفى النهاية "الجماعة" هى التي ستجنى المكاسب، ومشكلة النظام الحالى أنه يتصور أن عدم نزول القوى هو انفضاض الشعب عن الرغبة في التغيير، وأنا قلت إنهم مَن رشحوا السيسى للرئاسة؛ لأن ما قاموا به من أعمال عنف عقب الإطاحة بمرسى جعلت المصريين ينحازون إلى شخصية عسكرية تحكم البلاد، وعلى الرغم من أن الكثير غاضب من أداء الرئيس لكنهم لم يخرجوا خوفًا من أن يربح تنظيم الإخوان أو اقتناعًا منهم بأن الدولة تواجه إرهابًا وهذا ليس وقته.
كيف ترى سقف الحريات الآن سواء فى الشارع أو فى شتى وسائل الإعلام؟
تتراجع بشكل كبير ويكفى السنة الأخيرة أن لدينا 3 كتاب وباحثين يحاكمون بتهم خدش الحياء وازدراء الأديان وسب الصحابة، وحتى البرامج التليفزيونية التي يقدمها مذيعون لديهم وجهة نظر مختلفة مع السلطة توقفت وكثير من المذيعين قد خرجوا من المشهد مثل ريم ماجد ومحمود سعد، وبرامج كثيرة توقفت ونشعر بأن هناك قوائم بأسماء ضيوف ممنوعين من الاستضافة فى البرامج، وكذلك فى الصحافة بعض الأقلام منعت وهناك اعتقاد خاطئ بأن الأصوات المخالفة هى أصوات مخربة وكارهة وتعمل على تفتيت وحدة الصف، وهذا فهم خاطئ لتنوع المجتمع لأن الاختلاف دون التحريض على العنف يعطى انطباع للشعب بأن السلطة السياسية قوية والدليل أنها تسمح للمختلفين معها أن يظهروا ويبدو آراءهم ويشعر الناس أن ما يريدونه يقولونه ويعبر عنه فى وسائل الإعلام، أما الطريقة التي تدار بها الأمور للأسف ستؤدى إلى الانفجار.
الأحكام الصادرة بحق كثير من النشطاء السياسيين.. ماذا عنها؟
أغلب هؤلاء تمت محاكمتهم بقانون التظاهر الذى لا يتوافق مع الدستور وبعضهم ظل فترة طويلة دون محاكمة، ومدد له أكثر من مرة فى ظل التباطؤ فى العدالة وهذه التباينات أدت إلى وقوع ظلم على شباب خرجوا فى مظاهرات سلمية بموجب أحكام قانون لا يتوافق من الأساس مع الدستور.
إلى متى سيستمر النظام فى التعامل الخشن مع معارضيه ومتى تتشكل جبهة معارضة حقيقية؟
حتى هذه اللحظة وإذا أخرجنا جماعة الإخوان من المعادلة لاستخدامها السلاح ضد الدولة نلاحظ حتى هذه اللحظة عدم تشكيل معارضة متماسكة القوام، ولكن هناك معارضة تتشكل فى صورة جديدة، وهناك هندسة وإعادة للمواقع ولا يمكننا أن ننظر إليها باعتبارها تلك التى كانت موجودة قبل يناير؛ لأن بعض الأحزاب التى كانت معارضة قبل ذلك اندمجت فى السلطة الجديدة وانتظرنا شهرين على البرلمان من أجل أن تظهر معارضة حقيقية وللأسف لم يظهر شيء.
وهناك محاولة لتوحيد القوى الوطنية وسيصدر بيان عما قريب لتوحيد تلك القوى المدنية الوطنية لطرح بديل آخر، وهناك إجراءات تتم من أجل بلورة ذلك، ومجموعة من لجنة الخمسين تحاول أن تتصدى لمن يطالبون بتعديل الدستور، وهناك مجموعات شبابية هائمة لا تعرف إلى متى سيستمر هذا الأمر، وكذلك بعض الأحزاب تحاول هى أيضًا أن تعيد تشكيل نفسها حتى يكون هناك كتلة معارضة أكثر وضوحًا خارج البرلمان في الوقت الذي تم استبعاد فيه الكثير مثل "صحوة مصر" ويجب إيجاد بديل يطمئن إليه الشعب لأن غياب البديل يجعل الناس تقبل بالسلطة الحالية حتى لو كانت فاشلة فى إدارة الدولة وإن بطشت وقمعت ما دام الناس لا يجدون بديلاً.
وكيف يمكن أن يتواجد البديل فى ظل هذه الظروف السياسية التى يصل فيها الأمر إلى تشويه كل مَن يعارض؟
نحن نعمل تحت هذا القصف المتواصل، ولا توجد سلطة في أى دولة تتعامل مع معارضيها بامتنان وكرم، وأنا مؤمن بأن الحرية تنتزع ولا تعطى لذا علينا أن نناضل لأن التشويه الذى يتم ممارسته بدأ يفقد معناه، فالناس بدأت تفطن إلى أن هذا أسلوب رخيص ويأتي بنتائج عكسية.
الأزمة الاقتصادية.. ما تقييمك لتعامل النظام معها؟
الرئيس يعتبر مسئولًا عنها لأنه لم يستمع إلى مطالب الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، فهذا ما كان يجب أن يبدأ به، ومشروع القناة قدم الكثير من الخبراء ما يدل على أننا لسنا فى عجلة من أمرنا، بمعنى أنه من الممكن أن يتم البدء فى الحفر ثم المضي على مراحل، ولكنه كان يحتاج بأي ثمن لأي إنجاز يوفر له دعاية سياسية كبيرة، وهذا كان على حساب أموال طائلة أنفقت نتيجة ضغط الوقت وجزء من أزمة الدولار الحالية سببها السحب من البنك المركزى من أجل مشروع القناة لأنه فى النهاية الدفع كان بالدولار.
وعندما تحدثنا عن المصانع وإعادة تشغيلها لم يستجب أحد، فالرئيس جاء معتمدًا على تصوراته، وفى وقت قرار ترشحه قلت له "مادمت قد قررت الترشح فعلى الأقل لابد أن تعلن لنا برنامجًا وفريق عمل حتى نظمئن" وما حدث بعد مضى هذه المدة أننا أمام نفس المشكلة وأنه لا يوجد برنامج أو فريق.
والدولة عليها أن تتدخل ولا تترك السوق للاحتكار وتخطط وتشرف وتحاسب وتشارك فإذا كانت الدولة عاجزة عن رفع الأجور فيمكنها أن تضبط الأسعار، لأننا أمام مأزق اقتصادى، والرئيس يعتقد أن السياسة ترف والثقافة زينة والتعليم مسألة يمكن تأجيلها، ولا يبقى سوى للأمن والاقتصاد الأولوية وما حدث أن الاقتصاد تراجع والأمن بات خشنًا، وهذا ما يجعل السلطة الحالية فى مأزق وسيطرح السؤال "ما الذى الذى قدمه السيسى للمصريين؟" لأن الشعب صبر على السياسة، وقال: "نكف عن المظاهرات ونغض الطرف عن تقليص حرية التعبير أو اعتقال الثوار واستمرار التحجر والجمود الديمقراطي في سبيل الأوضاع الاقتصادية لكن هذه النظرية ثبت فشلها؛ لأن الديمقراطية والتنمية يسيران على خطين متوازيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.