جاء في قرار البرلمان الأوروبي يوم الخميس 10 مارس 2016 أنه "يندد بقوة بتعذيب واغتيال جوليو ريجيني، مواطن الاتحاد الأوروبي، في ظروف مريبة"، ويطالب السلطات المصرية بتوفير تحقيق مشترك "سريع وشفاف ومحايد". ودعا البرلمان السلطات إلى التعاون في التحقق من "تعذيب واغتيال" ريجيني، وأنه ليس "حالة منفصلة"، وأنه حدث في سياق عدد من الوفيات في الحجز في مصر. وحث البرلمان دول الاتحاد الأوروبي ال 28 على التمسك بقوعد الاتحاد في تصدير التكنولوجيا العسكرية، ومعدات المراقبة إلى مصر. وقد وافق على القرار 588 عضوا، وعارضه 10 أعضاء، وامتنع 59 عن التصويت. إذن، لماذا تجلب السلطة على مصر دولة وشعبا كل هذا التنديد والتجريح والتقريع والتشويه أوروبيا وعالميا؟. السلطة كمجموعة أفراد يحكمون لن يُضاروا كثيرا، إنما المتضرر هو الشعب، إلا لو كان هناك وعى شعبي عام بالمخاطر التي تجلبها عليه سلطته، وإلا لو كانت هناك ديمقراطية صناديق حقيقية ونشطة، هنا يكون معروفا مسبقا أن رصيد السلطة ينفد، وأن أسهمها تتراجع، وأن التصويت لن يكون في صالحها في أقرب انتخابات، مالم تتخذ إجراءات علاج سريعة وفعالة تجنب نفسها وشعبها المخاطر عبر إزالة أسباب الأزمة من جذورها فيما أدى لصدور هذا القرار الحاد من البرلمان الأوروبي، وبما يشبه الإجماع، أو في غيرها من أزمات داخلية أو خارجية. السلطة تقيم علاقات صداقة خاصة مع إيطاليا موطن الطالب القتيل، كما تقيم علاقات مع أركان الاتحاد الأوروبي الرئيسية: فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وقد فتحت تلك العواصم أبوابها لها، لكن كل ذلك لا يسوغ لهذه الدول ولا للعلاقات والمصالح تمرير مقتل مواطن أوروبي واحد من بين مئات الملايين الذين يضمهم اتحاد من 28 دولة. الذين دفعوا بقضية الطالب إلى البرلمان الأوروبي هم نواب إيطاليا ال 73 في ذلك البرلمان، والذين تضامنوا معهم هم نواب جميع بلدان الاتحاد الأوروبي، ولذلك وصف القرار ريجيني بأنه مواطن الاتحاد الأوروبي، مواطن يتجاوز حدود بلده إلى الفضاء الأوروبي الأوسع، مصيره يهم كل مواطن في حدود الاتحاد جغرافيا، هذه هى قيمة الإنسان في بلاد تقدر الإنسان، وتعتقد أنه أساس منح السلطة والحكم والشرعية، وأنه أساس بناء التنمية والحضارة. سنظل نقول إننا لن نستبق نتائج التحقيقات في توجيه الاتهام لمن عذب وقتل الطالب الإيطالي، لأن تداعيات التهمة ستكون ثقيلة إيطاليا وأوروبيا على مصر كشعب لم يعد يتحمل المزيد من المتاعب والأزمات والآلام بسبب ارتباك أداء سلطة تفكيرها ونشاطها أمني صرف. لسنا ضد الأمن، بل نحن معه قلبا وقالبا، ولكن ما نقصده أن السلطة لا تدير شؤون البلاد برؤية سياسية، وتقديرات الموقف تخلو من السياسة، والحكم على الأوضاع يتم من نظرة غير سياسية، الشكل والجوهر أمني لمن يفترض أنهم رجال سياسة، وهذا يجعل التفكير الأمني هو الحاكم لكل صغيرة وكبيرة، وبالتالي يتحمل الأمن أعباء أكثر مما يجب أن يحتملها، ويظل مغروسا ليلا ونهارا في كل شأن من شؤون الحكم والحياة. الرؤية تكون ضيقة عندما تبقى منحصرة فقط في درء الخطر بمفهوم المسؤول أيا كانت درجته، والإمساك بالمتآمرين، وإفشال المؤامرات، وتعقب الخونة والجواسيس، وتسجيل بيانات الطابور الخامس، وتحديد المغرضين والحاقدين والكارهين، وإلى آخر تلك التهم الكبيرة الرائجة والتي تجعل كل شخص يتلفت حوله، ويكون مثارا للشكوك. بالطبع متابعة المخاطر المشار إليها ضرورة إذا كانت موجودة دون تضخيم أو تفزيع لأهداف معينة، هناك مخاطر حقيقية، لكن يجب التعامل معها في حدودها دون أن يتم تصوير الأمر وكأن تحت كل حجر وحبة تراب وفي كل بيت وحارة وشارع وفي عقل كل مواطن خطة مؤامرة وعمالة وخيانة. معنى قرار الاتحاد الأوروبي أن التحقيقات المشتركة المصرية الإيطالية لم تسر على ما يرام، وأن الجانب الإيطالي يتبرم مما يحدث، أو أنه وجد شيئا ما غير مريح له، وبدا ذلك في تصريحات من كبار المسؤولين في روما، فلماذا يحدث ذلك منذ 3 فبراير 2016 ليتم دفع الأمور في 6 مارس إلى صدور القرار الأوروبي، والتعريض بمصر والتأثير على شعبها عبر مواصلة فقدان الثقة في المناخ والأوضاع وسجل حقوق الإنسان وحرمان البلاد من الاستثمارات والسياحة مما يعني تعميق أزمات ومعيشة المواطنين، كنا في غنى عن ذلك كله لو أن العقل السياسي نشط وفعال. إذا كانت الجريمة غامضة فليساعد الطليان ومن لهم خبرة من الأصدقاء في كشف لغزها، هذا مواطن إيطالي دمه يمكن أن يطيح بالحكومة في الانتخابات التالية، وهو مواطن أوروبي حياته وسلامته ومصيره بعد مقتله يهم كل دول الاتحاد، هذه معاني وقيم وحقوق مازالت غائبة في بلادنا، لذلك لا نستغرب حجم التصويت الكثيف على القرار المزعج. هناك شعب في إيطاليا ينتظر ويتابع ويراقب أداء حكومته والأحزاب التي تشكلها، وبطبيعة الحال لا بد أن تكون الحكومة قلقة على نفسها، ولأنها تعمل خادمة عند شعبها، فهى تنتفض وتتحرك في كل اتجاه من أجل مصير مواطن واحد فقط. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.